الحُبّ... إنسانيّة لا تشيخ
حين يتحدث الحُبّ من عمق الإنسان، يتحوّل من شعورٍ عابر إلى طاقةٍ تُعيد ترتيب العالم فينا.
ليس الحُبّ عاطفةً فحسب، بل فلسفةُ عيشٍ تُطهّر القلب من الكراهية، وتغسل الروح بنور التعايش،
فيغدو الإنسان أجمل، وأهدأ، وأكثر حياةً مهما مرّت به السنون.
ثمة ضوءٌ خافت يطلّ من أعماق النفس كلّما لامسها الحُبّ الصادق.
ذلك الضوء لا يُرى بالعين، لكنه يُحسّ كنبضة حياةٍ في كلّ ما حولنا؛
في نبرة صوتٍ هادئة، في نظرةِ عفوٍ صافية، في ابتسامةٍ تُرمّم ما كسَرته الأيام.
الحُبّ بهذا المعنى ليس عاطفةً عابرة، بل حالةُ سموٍّ تُعيد ترتيب الفوضى داخل الإنسان،
وتجعله أكثر قدرة على رؤية الجمال في كلّ شيء.
فالحُبّ ليس مجرّد نبضٍ بين قلبين، بل هو نَفَسُ الوجود حين تتطهّر به الأرواح.
هو الهبة الإلهيّة التي تُنقّي الداخل من شوائب الكراهية، وتغسل القلب من أدران الغِلّ والبغضاء.
فيه تُولد النفس من جديد، وتستعيد اتزانها وسط فوضى العالم، كغصنٍ أخضر نجا من عاصفة.
الحُبّ طاقةُ حياةٍ تُعيد للنور هيبته في أعماقنا، وتُرمّم ملامحنا المتعبة بلمسةٍ من السكينة.
من أحبّ بصدقٍ، أطال الله في عمره، لأنّ المحبة تُنعش الخلايا وتُنير الملامح وتُبقي الوجه نديًّا مهما تعاقبت السنين.
أما الكراهية، فهي سُمٌّ بطيء يشيخ به القلب قبل الجسد، وتُرى آثارها على الملامح قبل أن تُسجّلها الأيام.
انظر إلى الوجوه التي تُصافح العالم بابتسامةٍ رغم ما ذاقت من خذلان،
تلك وجوهٌ اغتسلت بالحبّ، فصار النور يسكنها كصلاةٍ دائمة.
الحُبّ لا يُنقص صاحبه، بل يرفعه؛ لا يضعفه، بل يمنحه عظمةً خفيّة تنبع من صفاء النيّة ونقاء الروح.
لنُحبّ إذن، لأنّ الحبّ فعلُ سموٍّ لا ضعف، وعبادةٌ لا رياء فيها.
لنُحبّ، لأنّ من ذاق طعم الحب في جوهره لن يعرف للحقد سبيلاً.
ولنُدرك أن التعايش لا يُبنى بالقوانين وحدها، بل بعاطفةٍ صادقةٍ تُعيد للإنسان إنسانيته.
فكلّما أحببت أكثر... صِرتَ أنقى، أهدأ، وأصغر عمرًا في عين الزمن.
إنّ الحُبّ، في جوهره، ليس رفاهًا شعوريًا... بل فِعلُ نجاةٍ، وميثاقُ حياةٍ يُبقي القلب حيًّا مهما أثقله الألم.
ويبقى الحُبّ، ما بقي الإنسان... نَبضًا يجدد الحياة فينا،
ويمنحنا شبابًا لا يُقاس بالسنين، بل بنقاء القلب.
🇹🇳 بقلم: هالة بن عامر – تونس