اجهاض ...
ها نحن من جديد ..
نستيقظ على صراخ فكرة
تجهض في مستشفى التاريخ
ممرضاتها من فصيلة الصمت
وأطبّاؤها يرتدون المعاطف الملطّخة بالبيروقراطيّة ..
في القاعة الكبرى للأوهام
يجلس الوطن على سرير أبيض
يتنفّس بالأجهزة الوهميّة
والشعب يصرخ ..
أنقذوا الجنين أيّها الأطباء
لكن الطبيب منشغل بعدّ النقود
والممرّضة تكتب تقريرا بعنوان ..
الحالة مستقرّة لكنّها ميّتة منذ زمان ..
في شارعنا الطويل ..
كلّ فكرة تمشي وهي تضع يدها
على بطنها خوفا من الإجهاض
تسير بحذر كي لا يلمحها الوهم
كي لا تتعثّر في حفرة الإعلانات
كي لا يصدمها سائق الشائعات ..
إجهاض في الحبّ..
حين نحبّ على المقاس
ونكره إذا تغيّر شكل الحذاء ..
حين نقول أحبّك
ونعني أحبّ ظلّك في الصورة
أكثر من حضورك الحقيقيّ ..
وحين تكتب المرأة قصيدة في الحرية
يقولون عنها مشاغبة ..
فترمي القصيدة في سلّة الغسيل
وتنشرها مع الملابس المبتلّة ..
يا وطني ..
كم من الأحلام دفنتها في بطون الملفات
كم من الشباب وئدوا في طوابير الانتظار
كم من العقول أسقطتها لأنّها فكرت ..
كم من القصائد نزفت وهي تحاول
أن تولد على ورق نزيه ..
إجهاض ليس فعلا بيولوجيّا
بل قدر قوميّ متوارث
حيث تجهض الأحلام قبل الولادة
وتجهض العقول قبل النضج
وتجهض الحريّة قبل أن تتعلّم كيف تمشي
على جدران القبح ..
وتطلب إذنا لتتنفّس ...
بقلم : معز ماني . تونس .