تحليل نقدي بقلم الشاعر محمد الوداني



 تحليل نقدي بقلم الأستاذ الصحفي الشاعر محمد الوداني بمساعدة وتدقيق لغوي وتنقيح اخطاء وتقفيل خاتمة الشاعرة الأديبة غزلان البوادي حمدي تونس 

قصيدة "بوح أنثى بين الضد والصمت" للشاعرة عائشة ساكري هي انعكاس رائع لصراع داخلي تعيشه الأنثى بين البوح والصمت، وبين العشق والفراق. في مستهل القصيدة، تبوح الشاعرة بحيرتها، معتذرة عن صمتها الطويل، مؤكدة أنها ليست من تهجر حلمها، بل تحتفظ به في عمقها، في مواجهة نقيض الأحاسيس.


التضاد يظهر بقوة في النص حيث تدرك الشاعرة أن الأشياء تُفهم من خلال نقيضها، فهي تعيش بين الصمت والبوح، بين الحلم والواقع. الأحلام تتحول إلى أرق، والعشق إلى شوق بلا نهاية. ولكن رغم الألم والحيرة، يتضح أن الشاعرة ما زالت متمسكة بحلمها حتى في أصعب الأوقات.


العاطفة تتدفق بقوة في الأبيات، حيث تتحدث عن شخص كان له سحر خاص في قلبها، يتجادل معها في عشقها ويطوف بحسن لفظه، ولكن حين ضعف حالها، رحل عنها بلا وداع. هذه التجربة المؤلمة جعلت من صمتها أقوى من أي صرخة، ومع ذلك، ما زالت تأمل أن يعود إليها الحب كما كانت قد أحبته.


الشاعرة تصف نفسها بأنها كالعاصفة، تجمع بين الهدوء والغضب، تُمارس طقوسها في الكتابة على الورق، حيث تتحول كلماتها إلى نار تحرق الأرض وتذيب الحواجز بينها وبين من تنتظره. هذه الرمزية القوية تجعل من القصيدة مرآة لعالم داخلي مضطرب، لكنه لا يزال مشتعلاً بالعاطفة والأمل.


في النهاية، تستعيد الشاعرة قوتها، معلنة أنها ستظل مزدهرة كزهرة تنمو رغم آلامها وأوجاعها. في عمق الألم، تزهر بذور الأمل، والشاعرة تؤكد أنها ستبقى صامدة مهما تقلبت الظروف. هذه النهاية تعكس إيمان الشاعرة بقوة الإرادة وقدرة الإنسان على الصمود حتى في أحلك اللحظات.


عائشة ساكري في هذه القصيدة تمثل صوت المرأة التي تعيش بين تناقضات الحياة، لكنها تجد في تلك التناقضات مصدرًا للقوة والإبداع. إنها شاعرة تمتلك من الحساسية والعمق ما يجعل من كلماتها سحرًا يتغلغل في القلوب، ويدعو القارئ للتأمل في حالاته الخاصة.


مع تحيات إدارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والتوثيق والقراءة النقدية التحليلية الثقافية العربية


**بوح أنثى بين الضّد والصّمتِ**


  وإن طالَ صَمْتي، فلا تُلِمْني

  فإني لستُ مَن يهجر، فلا تَعجَلْ

  ولا تَرحلْ عن حُلمي.


  أنا أنثى أُبوحُ الصّمتَ في عُمري،

  أعيشُ النقيضَ بين حضيضِ أمري.

  فالضِّدُّ يُثبتُ في حقائقه الضِّدّا،

  وبالضِّدِّ تُدرَكُ الأشياءُ ظاهِرةً ومُعتدّا.


  أُصبتُ بأرقِ الأحلامِ في فجري،

  وقلبي انفطرَ مِن شوقهِ عبثًا بلا مدى.

  أفألتقيه والعُمرُ خريفٌ في محافلِهِ؟

  وماذا لو تلاقَينا؟ وهل يبقى لنا أثرُ؟

  أما كانَ مَن بالعشقِ يُجادلُني سحرًا،

  يطوفُ بحُسنِ لفظهِ في الغسقِ سرّا؟

  فلمّا هانَ حالي، رحل عني دون وداع.


  هدوئي صمتي، وصَرختي قاتلةٌ،

  فيا ليتَ قدري يَصبُّ في قلبهِ عشقي،

  كما أوجعني في خافقي وجرحي.


  أعودُ كعاصفةٍ مِن الصمتِ تُرعدُني،

  أمارِسُ طقوسيَ في حبرٍ على الورقِ.

  خطّي لا يُرى إلاّ كسَرابٍ في أفقي،

  وحروفي باتت نارًا تُرمِدُ الأرضَ.


  تركَ بيني وبينهُ حاجزًا كالجَسَر،

  تذيبُ شوقَ صخورِ قلبي المنتظر.


  وجودُكَ، أيها الأنا، طياتُ أحرفي،

  كسحابةٍ روت في قلمي بقعي.

  وقمحُ كلماتي استوطنَ روحي وقلبي.


  فللهِ دَرُّكَ يا طريفَ العُمرِ في خَرفي،

  إني وإن هَرِمَتْ أوراقُ زهرتي، سأبقى

  في ربيعٍ زهرهِ صامدةً بوعيي.


  فلستُ أذبلُ مهما ضاقَ بي زمني،

  سأبقى زهرةً تنمو فوقَ أوجاعي.


  رغمَ الخريفِ، سأحيا في صُمودي،

  وأكتبُ بيدِ العزمِ سِفرَ الرجاءِ.


  "وفي عمقِ الألمِ، تُزهرُ أجملُ بذورِ الأملِ."


الشاعرة عائشة ساكري - تونس 17_10_2024

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال