تحليل نقدي.بقلم مشترك للشاعر محمد الوداني والشاعرة غزلان حمدي



 تحليل نقدي بقلم مشترك للاستاذ الشاعر محمد الوداني والشاعرة غزلان حمدي 


للشاعرة القديرة عائشة ساكري 


يحمل العنوان الفقد الأبدي دلالة عميقة على غياب لا رجعة فيه، حيث يرسّخ شعورًا بالحزن والاستسلام لحتمية الموت. كلمة "الأبدي" تضفي بعدًا فلسفيًا على النص، فهو فقد لا يداوى ولا يعوض، بل يظل محفورًا في الذاكرة والوجدان.


يتميز النص بأسلوب سردي شعري يجمع بين الخطاب الحواري والوجداني، حيث تسير الكاتبة في خط زمني يبدأ من الصدمة الأولى بالنبأ، ثم الغوص في ذكريات الماضي، فالعودة إلى الحاضر المليء بالحزن، وأخيرًا التأمل في المصير المحتوم. ويظهر ذلك جليًا في تناوب الفقرات بين السرد والمخاطبة المباشرة، مما يعمّق التأثير العاطفي لدى القارئ. كما نجد التوكيد حاضرًا بقوة في العبارات الاستفهامية مثل: "أهو حقًّا ما قالوا؟ هل مات؟!" وكذلك التكرار في: "لا، هيهات هيهات ولمَ هيهات؟!"، حيث يعكس هذا الأسلوب حالة الإنكار الأولي للصدمة، وهو تعبير نفسي متقن عن مراحل الحزن.


يرتكز النص على استحضار الماضي، حيث تستعيد الكاتبة تفاصيل العلاقة التي جمعتها بالفقيد، بداية من الطفولة، مرورًا بالتحصيل العلمي، ثم الابتعاد بسبب الظروف، وهو ما يعزز التناقض بين حضور الذكرى وغياب الجسد، مما يضفي على النص مسحة حنينية موجعة. وتظهر في النص رموز قوية مثل "طير مهاجر يرفرف فوق الغيمات" كاستعارة للموت والروح الصاعدة، و*"يحملك القلم والقرطاس"* كإشارة إلى دوره في نشر المعرفة، و*"أن تحطّ رحالك بأرض الوطن، وتنام في سبات عميق..."* كإشارة رمزية إلى التوق للعودة والموت في الوطن.


يتجلى البعد الفلسفي في فكرة الاستسلام لقضاء الله، وهو ما يظهر بوضوح في عبارة الوداع الأخيرة التي تعكس تقبل الفقيد لرحيله المحتوم: "إني راحل، أبرئوا ذمّتي، فليس لي عيش في هذه الحياة، فقد ناداني إلهي، ولا مفرّ من قضاء الله وقدره."، حيث تشكل هذه الجملة قمة التحول في النص، إذ ينتقل من الصدمة إلى الاستسلام للقدر.


يعتمد النص على التصعيد العاطفي، حيث يبدأ بالحيرة والإنكار، ثم الذكريات الحميمية، فالأمل بالعودة، ثم النهاية الحتمية، مما يجعله نصًا وجدانيًا بامتياز قادرًا على التأثير في القارئ. الفقد الأبدي نص مرهف الحس، يعكس تجربة إنسانية عالمية تتعلق بالحزن والفقد، بأسلوب أدبي رصين يجمع بين السرد والشاعرية. استطاعت الكاتبة أن تخلق توازنًا بين الذكرى والواقع، بين الحنين والاستسلام، مما يجعل النص شهادة أدبية صادقة عن فقد عزيز.


مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والقراءة النقدية التحليلية الثقافية العربية.


**الفقد الأبدي** 


حين نزلت صاعقة رثائك، عمّ السكون للحظات… أهو حقًّا ما قالوا؟ هل مات؟! لا، هيهات هيهات ولمَ هيهات والموت من المسلّمات؟! حزنٌ جثا على قلبي، ولساني يرثي حالي بصيحات وصرخات…


أبا بلقيس، كنتَ قربي قبل لحظات، تودّعني، وأنا أرفع يدي لك بالدعوات…

أهكذا عهدنا؟! أنسيتَ رفقة الدرب، حين كنّا بعمر الزهور؟ جيرانًا في البيوت، نسلك الطريق سويًّا، ونزداد علمًا من الدراسات… كنتَ متفوّقًا، واعتليتَ عرش المتفوّقين والمتفوّقات، ثم سلكتَ طريق البعد، وعانيتَ ألم الفراق، ولوعة الحنين كانت تتجسّد في الآهات التي تخرج مع الزفرات…


ورغم البعد والغربة، أبيتَ أن تنسى حكايات الماضي، ثم جاء العلم بشيء جديد، يقرب البعيد، ويختصر المسافات… عدنا مستبشرين بغدٍ أفضل، فرحين بعودتنا، وكنا نلتقي في هذا الصرح الثقافي الذي جعلته منارة للعلم لكل الأطياف، يحملك القلم والقرطاس، وتنطلق بما لديك من كلمات، تكتب، وتحكي للناس أجمل الحكايات…


وفي لحظات وجيزة، خيّم الحزن على قلوبنا لما أصابك، وأصبحتَ كطير مهاجر يرفرف فوق الغيمات، كلّ أمانيك أن تحطّ رحالك بأرض الوطن، تستنشق عبير ترابه، وتنام في سبات عميق… لكنّ الله لم يستجب…


وذات ليلة، فاجأتنا بقولك: "إني راحل، أبرئوا ذمّتي، فليس لي عيش في هذه الحياة، فقد ناداني إلهي، ولا مفرّ من قضاء الله وقدره، وداعًا يا رفاق.


الشاعرة عائشة ساكري تونس 🇹🇳

6 فيفري 2025

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال