امرأة من ثلج 3
"تَعَالَ إِن كُنْتَ تَجْرُؤُ"
وَأَنَا... أَرْتَعِشُ بِلَا سَبَبٍ،
كَأَنَّنِي نَفْسٌ لا تَعْرِفُ نَفْسَهَا.
الْبَيَاضُ حَوْلِي يَتَكَلَّمُ بِأَلْفِ لَوْنٍ مُتَدَاخِلٍ لا أَفْهَمُهُ،
وَالْهَوَاءُ يَئِنُّ...
وَوَحِيدًا أَرَى،
كَأَنَّ شَيْئًا انْكَسَرَ بِلَا دَوِيٍّ،
وَهَذِهِ الأَنَا فِي مَسْرَحِ الْأَبْيَضِ
تُصَفِّقُ لِسَرَابٍ قَدْ رَحَلَ.
اخْتَفَتْ...
لا خُطْوَةَ،
لا أَثَرَ لِظِلٍّ،
كَأَنَّهَا ذَابَتْ بَيْنَ أَصَابِعِ الثَّلْجِ.
وَهَذَا الْبَرْدُ يُعَانِقُنِي بِسِياطِ تَسَاؤُلَاتٍ:
هَلْ كَانَتْ هُنَا حَقًّا؟
أَمْ أَنَّنِي فِي رُكَامِ ذِكْرَيَاتٍ مُشَوَّشَةٍ؟ ...
كَيْفَ تَفَسِّرُ الرِّسَالَاتِ وَالْأَحَادِيثِ؟
أَوْ كَتَبْتُهَا وَابْتَدَعْتُ كُلَّ هَذَا؟
جَلَسْتُ عَلَى الْجَلِيدِ،
أَرَدْتُ أَنْ أَصْغِيَ لِأَفْكَارِي،
لَكِنَّهَا حَالَةٌ تَتَشَاجَرُ مَعَ حَالِهَا،
هِيَ لَمْ تَكُنْ يَوْمًا هُنَا؟
بَلْ كُنْتُ مَعَهَا، تَتَنَفَّسُهَا كُلَّ صَبَاحٍ؟
أَأَنْتَ الَّذِي صَعِدَ الْجَبَلَ أَمْ هِيَ؟
لَا، لَا... بَلْ هِيَ الَّتِي دَفَعَتْكَ لِلصُّعُودِ.
هَلْ هَذَا حَقِيقِيٌّ؟
وَهَلْ أَنَا حَقِيقِيٌّ؟
كَيْفَ حَدَثَ كُلُّ هَذَا؟ وَهَلْ كُنْتَ وَكَانَتْ؟
أَمْ أَنَّنَا مُجَرَّدُ صَدًى فِي حِكَايَةٍ مَعْلُومَةٍ مَجْهُولَةٍ؟
وَرَاوَدَنِي إِحْسَاسٌ غَرِيبٌ...
أَنَّنِي أَزُورُهَا فِي حُلْمٍ بَعِيدٍ،
وَأَقْرَأُ الرِّسَالَاتِ مِنْ وَرَقَةٍ فَارِغَةٍ،
وَأَغْسِلُ يَدَيَّ بِوَهْمٍ يُشْبِهُ الْمَاءَ.
ضَحِكْتُ...
ضَحِكْتُ كَمَا لَوْ أَنَّنِي أَسْمَعُ نُكْتَةً قَاسِيَةً،
ثُمَّ بَكَيْتُ بِقُوَّةٍ...
لَا أَعْرِفُ أَيُّهَا أَطْوَلُ.
أَنَا لَمْ أَعُدْ أَرَاهَا... لَكِنَّهَا كَانَتْ هُنَا، أَقْسِمُ ...
نَعَمْ، أَقْسِمُ أَنَّهَا كَانَتْ تُخَاطِبُ رُوحِي وَتَتَنَفَّسُ،
فَالْعَقْلُ يَهْمِسُ لِي: أَنْتَ وَحْدَكَ،
وَالْقَلْبُ
يَهْذِي بِكُلِّ أَوْتَارِ الْمَلَامِحِ.
وَااااااااااه!
صَرَخْتُ لَا لأَسْمَعَ، بَلْ لِأُقْنِعَ ذَاتِي أَنَّنِي لَا زِلْتُ أَمْلِكُ صَوْتًا،
لَكِنَّهُ عَادَ مُمَزَّقًا،
كَأَنَّ الثَّلْجَ بَاتَ يَسْخَرُ مِنِّي،
أَوْ أَنَّ أَحَدًا هُنَاكَ يُعِيدُ صَرَاخِي مُبْتُورًا.
أَنَا الآنَ أَمْشِي بِلَا سَاقَيْنِ تَقْرِيبًا...
تَجُرُّنِي أَذْيَالُ كَلِمَاتٍ لَهَا هَبَطَتْ رُوحِي:
"تَعَالَ إِن كُنْتَ تَجْرُؤُ."
أَرْغَبُ فِي التَّرَاجُعِ،
وَلَكِنَّ الأَرْضَ تَجُرُّنِي،
كَأَنَّهَا تَعْرِفُ أَنَّ الِاعْتِرَافَ لَا يُقَالُ،
بَلْ يُسَاقُ إِلَى صَاحِبِهِ مَرْغَمًا.
وَنَظْرَةٌ تَخْتَرِقُنِي... كَأَنَّهَا تَعْرِفُنِي أَكْثَرَ،
لِأَتَقَدَّمَ خُطْوَةً...
وَيَنْطَفِئُ الْهَوَاءُ.
(مُحَمَّدُ الْحُسَيْنِي)