خمسُ مقاماتٍ في الشوق
3 - مقامُ المُساوَمَة
"لو أنّني قلتُ له..."
حينَ تُصبِحُ الرّوحُ "تاجِرًا" مع القَدَرِ...
لو أنّني...
لو أنّني مَنَعْتُهُ من الخروجِ ذاكَ الصّباحِ،
لو تَمَسَّكْتُ به كغريقٍ بحبلِ نَجاةٍ...
لو قلتُ لهُ:
"ابقَ معي اليومَ، أستَحلِفُكَ بمَن تُحبُّ، اِرحمْ مَن يُحبُّ..."
هلْ كانَ القَدَرُ سيُغيِّرُ مَسارَهُ؟
هلْ كانتِ الملائكةُ ستُعيدُ كتابةَ أسماءِ الشهداءِ؟
أُعيدُ ترتيبَ الماضي في مسرحِ الذّاكرةِ... كالمُخرجِ المجنونِ
أُبدِّلُ الحواراتِ
أُغيِّرُ الأدوارَ
أمحو المشهدَ الأخيرَ... وأكتبُ نِهاياتٍ جديدةً في مسرحي الخاصِّ:
"هو عائدٌ كلَّ مساءٍ، يفتحُ البابَ بمفتاحِ الحبِّ،
يملأُ البيتَ بعِطرِ الحياةِ..."
أُساوِمُ الليلَ والنّهارَ
أُساوِمُ النّجومَ والقَمَرَ
أُساوِمُ كلَّ مَلَكٍ يمرُّ في السّماءِ:
"خُذوا عُمري وأعيدوهُ، خُذوا سنواتي الباقيةَ،
واجعلوها لهُ، فَما قيمةُ العُمرِ بلا مَن نُحبُّ؟"
أبحثُ عن علاماتٍ في كلِّ مكانٍ... كالعاشقِ
في الأحلامِ التي تزورُني... كالطّيورِ المُهاجِرةِ
في الصُّدفِ التي تَحدُثُ كالمعجزاتِ الصغيرةِ
في النّسائمِ التي تَحمِلُ رائحتَهُ...
رُبّما يُحاوِلُ أن يقولَ لي إنّهُ بخيرٍ
رُبّما هنالكَ بابٌ سرّيٌّ بينَ عالَمِه وعالَمي...
يَنظرُ بعينِ ملاكي الحارِسِ
✍️ محمد الحسيني
من مقامِ المُساومةِ...
تبدأُ الرّوحُ مُفاوضةَ الغياب،
وفي المقامِ القادمِ...
حينَ يصمُتُ كلُّ شيءٍ،
يبدأُ الحزنُ العَميقُ خُطوتَهُ الأولى نحوَ الأعماقِ.