لعنة غفران
خالد أخازي: الدار البيضاء. ماي 2017
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا لعنةٌ خالدةٌ الأنفاس
ترغمُ الفراغَ على العياءْ،
تربك فلسفة القياس
أنا سطحُ يومٍ قائظ الزفير
رمليِّ البكاءْ والنفير،
يوهِمُ السيارة في جنح القصيد
أن الجمرِ والقهر والوجع،
وليمة غابات الشعر الغريق.
أنا بقيةُ من منفى ومصلى
بنارِ الرغيفْ والهديم،
تسكنني صورُ القهرِ القديمْ.
تعلّمتُ أن ألعنَ الضوءَ،
مقدِّسا ستائرَ الغربة
حين يجبن جفن الوحدة.
أقسمتْ خادمةٌ ذات سقطة
على الأدراجِ بلا ديباجة،
وهي تمسحُ قيءَ الليلِ القتيلْ:
إنَّ الغفرانَ متاحٌ بلا رياح
يلزمه فقط بوحُ الجراحْ.
وأنا أرمِّمُ صلابتي
أمامَ بابِ شقّتي الذبيحةِ
بنصلِ مصرفِ أمنٍ حتى موتي.
قلتُ لها متخفيا في جريدة:
إن كانت الحكمةُ غفوةَ الحذرِ،
فأنت امرأةٌ حكيمةٌ
تغسلُ درجَنا العفِنْ"
كأنها سمعتْ ما سمعتْ،
فتسلّقتْ حبالَ تلعثُمي،
وقالتْ:
ـألا تعلمُ أن ربَّ السماءِ
ينزلُ إلينا ليلاً عليا
ليمنحَنا دواءَ الروحِ،
وزاد الصبر والعبور.
قلتُ لها: أنا كبريتٌ
لا يُفسدُهُ غير الدعاء
يشعلُ فتيلَ الخيالْ،
لا يقف ليلا عند باب السماء،
فالسماء تركتنا للقدر،
وخلت تصحح كراسات النبلاء.
فأنا بلا بندقيةٍ
في جبهةِ الاشتياقْ والعناق،
صعب أن تنتظري نزول رب من السماء
وهو قريب منك...
فيك نفخة منه...
تربطك به...
لا حاجة للطابور ليلا...
الله...يسكننا منذ البدء.
قالت:
تقولُ شعراً
يليقُ بالحاناتْ،
وأنا غُصنٌ
ذبلَ من كبرياءْ،
هربَ باكراً
من نعيمِ الخمّاراتِ.
وولت تغسل غرفة الفقيه،
ورأيت في عينيه موت خفي.
أنا طائفٌ
يوقظُ شهوةَ الجدارْ،
فيعطّلُ حيادَ الستائرْ،
أنا لعنةٌ خالدةٌ...
شهيةُ النداءِ،
أسكنُ تفاصيلَ هروبِ
أنثى
من مرمرِ الذكرياتْ.
لا شيءَ أزليٌّ
حتى رفقةِ الزندِ والغمدِ.
أنتِ، سيدي...
تلعنينَ الحاناتِ،
لكنّكِ تجيدين الضحكَ
في وجهِ الخيباتِ،
أنتِ لا ترمينَ نردَ القواميسِ
من أجلِ ابتسامةِ استعارةٍ
تشعلُ الفوانيسْ.
مأساتي أنَّ الكلماتِ
غدتْ مستهلَكَةً،
لا ترى في النواقيسِ
غيرَ الحديدِ...والصَّدأ.
قلتُ يوماً
لامرأةٍ من طينِ غوايتي
المدثّرِ بالمطرْ:
سأكونُ دوما
قلبَ الحريقْ،
حين تغربين
على طرف سرير،
فأنا والرحيق والرفيقُ
والشهيقْ...والعتيق
مهما تواريتِ خلف الزمن
وتغيّرتِ الخرائطْ والبوصلات،
فكلُّ سريرٍ يهزُّكِ...
فيه إعصاري ومطري
وسوطي وشغبي.
كلُّ ضحكةٍ ماجنة
تغريكِ في الخفاءْ،
فيها من أسراري كل البهاء.
فأنا لعنةٌ
تزهرُ بها زهرة غوايتكْ.
قد أختفي...
ولا يختفي جحيمي،
فأنا أكثرُ من وجهِ ذِكرى،
أنا الوجهُ الوحيدُ
في حفلةِ التنكُّر.
سأظلُّ سقفَ قبلة
هاربة من شفتيك
حينَ تتهاوى الأعذارْ والأخطار،
حينَ يرغمكِ الخيالُ الدافئ
على السفرْ الماكر
في شهوة الانهيار
سأكونُ ملمسَ الغطاءِ،
ورائحةَ الجدارْ.
أحمقٌ هذا الشعرُ!
بالأمسِ،
كانَ كبريتَهُ
يشتعلُ بالحضورْ،
واليومَ،
يشتعلُ بالغيابْ...
أنا عصارةُ كلِّ المتَعْ،
قطرةٌ منّي على شفتيكْ،
جرعةٌ منّي على كفّيكْ،
تختصرانِ بينَ عينيكِ
كلَّ الأكوانْ.
أنا لعنةٌ
ستسكنُكِ
إلى الأبدْ،
كلُّ وجهٍ
ستكونُ فيه نظرةٌ منّي،
كلُّ سريرٍ
سيهزُّكِ فيه إعصاري،
كلُّ لمسةٍ
ستكونُ بليدة...
إلا بإحضاري.