تحليل نقدي لقصيدة سنبلة آيار بقلم الشاعر الصحفي محمد الوداني
في قصيدة "سُنبلةُ أيّار" للشاعرة التونسية عائشة ساكري، نُصادف نصًّا شعريًا غنيًا بالتشكيل الرمزي والبلاغة البصرية، حيث تتخذ المرأة مركزًا كونيًّا يمتد من الأرض إلى السماء، ومن الحقول إلى الذات الإنسانية المتوهجة بالكبرياء والعذوبة. العنوان وحده يكثّف المعنى، فـ"السنبلة" رمز للخصب والعطاء، و"أيّار" شهر الربيع والانبعاث، وكأن الشاعرة تنسج من أنوثة البطلة قمحًا وشمسًا وخلودًا.
اللغة تنساب بنعومة على إيقاع داخلي ناعم، وتحمل في طيّاتها مزيجًا من الصفات المتناقضة التي تنصهر في شخصية واحدة: الهدوء والعنفوان، الغجرية والعفوية، التمرّد والحنان، فتمنح القارئ صورة لامرأة فريدة، عصيّة على الاحتواء، لكن مألوفة في إحساسها بالأرض والوجود.
القصيدة توظف عناصر الطبيعة بشكل رمزي متكامل: "السنابل، النار، الماء، الريح"، فتغدو المرأة كائنًا طبيعياً محمولاً على معاني الأصالة والعزّة. واستخدام فعل "انحنتْ" في سياق "بثقلِ الخير، لا بذلِّ الري
مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والتوثيق والقراءة النقدية التحليلية الثقافية العربية
سُنبلةُ أيّار
بقلم: عائشة ساكري – تونس
3 ماي 2025
شامخةٌ كضوءِ فجرٍ على رؤوسِ السنابل...
هادئةُ النظراتِ، عميقةُ التأملِ،
كأنّ عينيها تُبحِران نحو الأفق البعيد
تحملان حكاياتٍ قديمةً، من زمنٍ ماضٍ لا يُنسى...
هي ليست كباقي النساء،
بل أسطورةٌ نادرةٌ، منقوشةٌ على لوحةٍ من ذهبِ الحقول،
صُنعت من سنابل قمحٍ نضجت في دفءِ أيّار...
تكاد تنطقُ بعطرِها،
تتوهجُ من بهاءِ خلقِها،
وجمالها الربانيّ العفوي...
غجريّةُ العينين،
مزاجيّةُ الأهواءِ، لا تُروّض...
ترابيّةُ الأصل،
نادرةُ الوجود كقمرٍ مكتملٍ في ليلةِ شتاء...
فيها من الأرضِ خصبُها،
ومن النارِ شعلتها،
ومن الماءِ صفاؤه، ومن الريحِ حرّيتها...
هي أنثى تتوشّحُ بالكبرياء،
وتتزيّنُ بعزّةٍ لا تلين،
كأنّها سُنبلةُ أيّار، إن انحنتْ، فبثقلِ الخير، لا بذلِّ الرياح...
أصالتُها تسكنُ في صمتِها،
وشموخُها يعلو على صدى الكلمات،
وفي حضورِها، ينحني الوقتُ، وتنتشي الأرضُ زهواً.
هي الوطنُ حين يُختزل في امرأة،
والخصبُ حين يقطرُ في نظرة،
هي سُنبلةُ الحياةِ إذا عطشَ القلبُ للحقيقة،
وأنثى الكبرياءِ حين يصمتُ الزمانُ إجلالًا لها.

