الدُّبُّ الذي كان ثالثَهُما – 5
"زهْرَةُ الصَّفِّ الأَخِيرَةِ"
ها أَنا الآنَ،
أَجلِسُ في زَاوِيَةٍ مُغَبَّرَةٍ،
في صُنْدُوقٍ يُشْبِهُ الخَرِيفَ،
لَكِنَّ قَلْبِي القُطْنِيَّ... ما زالَ يُفَكِّرُ بِالرَّبِيعِ.
لا أَحَدَ جاءَ لِيَأْخُذَنِي،
لا أَحَدَ سَأَلَ عَنِ الدُّبِّ الَّذِي كانَ ثَالِثَهُمْ،
لَكِنَّنِي لا أَعْرِفُ الوَحْدَةَ،
لِأَنِّي عَرَفْتُ يَدَهَا.
كانَتْ زَهْرَةَ الصَّفِّ،
الَّتِي كانَتْ تَضْحَكُ في الحِصَّةِ كَأَنَّهَا تُسْقِي الحُرُوفَ بِعِطْرِ النَّدَى،
وكانَ هُوَ...
يَنْظُرُ إلَيْهَا كَمَا تَنْظُرُ البُذُورُ إلَى الشَّمْسِ دُونَ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا.
في يَوْمِهَا الأَخِيرِ،
نَسِيَتْ وَرْدَةً في الحَقِيبَةِ،
ذَبَلَتْ قَلِيلًا،
لَكِنَّنِي احْتَفَظْتُ بِهَا...
كَأَنِّي أُخْبِّئُ ضَوْءًا في قِشْرَةِ قَمَرٍ.
ومنذُ رَحِيلِهَا،
ما زالَ مَقْعَدُهَا خَفِيفًا عَلَى الأَرْضِ،
وثَقِيلًا عَلَى الذَّاكِرَةِ.
أَمَّا أَنَا،
فلا أَزَالُ أَحْضُنُ تِلْكَ الوَرْدَةَ،
وأُرَدِّدُ هَمْسَةً صَغِيرَةً:
"قِلّهُ لَوْ رِيحَةُ المِمْحَايَةِ حُلْوَةٌ... بَسْ ما يَغْلِطْ ويَاكْلَا!"
( مُحَمَّد الحُسَيْنِي )