سر المنزل المهجور بقلم الشاعرة فوزية الخطاب المغرب

 سر المنزل المجهور

 سكنت قرية وسط الجبال، كانت كالوردة ، مليئة بالخضرة والجمال ، أشجار مثمرة ومساحات خضراء، قدمت إليها أدرس الأطفال وأعلمهم القراءة والكتابة،فأحببتها وأحببت أناسها،قضيت هناك سنة كاملة ، أكتشف فيها جمال المنطقة وأتعرف على سكانها ،وفي أحد الايام وبينما أنا في جولتي المسائية المعتادة وجدتني في مكان بعيد عن سكناي وعن القرية ،لفت انتباهي منزل قديم ،اقتربت منه، كان مليئا بخيوط العنكبوت ،بابه خشبي قديم ،نوافذه صغيرة ،الغريب في الأمر أنه كانت بجانبه زريبة فيها بعض البهائم ،ناديت بأعلى صوتي : 

• هل من أحد هنا ؟ ولكن دون جدوى ،حاولت فتح الباب مرات كثيرة..انتابني شعور غريب فعدت أدراجي .صبيحة اليوم الموالي وأنا في حصة مع تلامذتي سألتهم عن ذاك البيت القديم ،ما سره؟؟ ،فصرخ الأطفال جميعا هل ذهبت إليه أستاذ ؟ قلت نعم 

فقالوا : ذاك مكان مسكون ؟يسكنه الجن ! قلت لهم : من كان يسكنه قبلا ؟ أجاب أحدهم : سيدة وحيدة فقدت أطفالها في زلزال كان بالمنطقة، ومن الصدمة أصيبت بالجنون وصارت تتخيل أبناءها معها وتتحدث إليهم ، ورفضت مواساة أهل القرية. شكرتهم وتابعت الدرس.قصدت شيخ القرية لأعرف حقيقة ما قاله لي الأطفال،هو الآخر نصحني بالابتعاد عن الموضوع وأكد قول الصغار.قضيت أسبوعا كاملا وانا أبحث عن الحقيقة ..وخلصت الى قرار الذهاب للمنزل وفتحه و معرفة ما يوجد داخله ، وصبيحة يوم الأحد كنت أقف أمام البيت ومعي أدوات لفتحه ،قلت باسم الله وقرأت بعض الآيات من القرآن وبدأت ما عزمت عليه،الطرقة الأولى والثانية والثالثة ودقات قلبي ترتفع والعرق يتصبب من جبيني،لم يفتح ،جلست أستريح ،فجأة ظهرت أمامي سيدة أربعينية ، وخاطبتني مرحبا بك ،قفزت وتحجرت الكلمات في حلقي وأردت الفرار لكنها أوقفتني : ماذا تريد مني ؟ جئت لأخذي أبنائي؟ أخبرك تلاميذتك بهم ؟! من فضلك سيدتي لم أقصد ايذاءك ،فقط أردت معرفة حقيقة البيت المهجور ؟! لم تتركني أكمل كلامي وسحبتني من يدي وفتحت الباب بكل سهولة ،يا إلهي كان البيت مرتبا جميلا ،ليس فيه ما يدل على أنه مهجور،أجلستني على مقعد وقالت هل عرفت حقيقته الآن ؟ كان تتحدث بهدوء وبدت لي أنها غير فاقدة للعقل كما يدعي أهل القرية .سألتها عن أبنائها وأين هم الآن ؟ أجابتني على الفور سيعودون للبيت في منتصف الليل .كانت اجابتها كافية لتجعلني أشعر بالخوف وأن ما قاله الأطفال صحيح ،حاولت مجاراتها وقلت لها يشتغلون في قرية أخرى ؟ لم تجبني على السؤال فقط قالت يغادرون قبل طلوع الشمس،أيقنت أنني هلكت . قالت سيكون أبنائي سعداء بوجود استاذ معنا ،ابتسمت وكلي فزع وخوف وهممت بالمغادرة ، 

• الى أين ؟

• فقط اريد رؤية البهائم الموجودة في الزريبة.

• اه نعم تفضل ،سأعد وجبة العشاء 

خرجت وأنا لا أقوى على حمل رجلاي ،وقلبي يخفق و وساوس كثيرة تطاردني، خطوت الخطوة الأولى والثانية والثالثة ثم هرولت بدون تفكير كالريح وانا أتخيلها تطاردني ،جريت في كل الاتجاهات وقد جف ريقي ،جاءني صوت من بعيد : -استاذ ما بك ؟ هل أنت بخير ؟ تنفست الصعداء أنه الحاج أحمد شيخ القرية ، اقتربت منه ثم سقطت أرضا ولم أدر ما حصل ،عندما استيقظت وجدت رجال القرية بجانبي وبعضا من تلامذتي .قالوا الحمد لله على سلامتك،عادة من يحاول اقتحام البيت المهجور لا يعود ،وحتى إن عاد يكون فاقدا للعقل.ثم التفت إلي أحدهم وقال : -استاذ أحمد : احك لنا ما حصل؟ وقال آخر اتركوه يستريح إلى يوم غد.وقبل مغادرتهم طلبت من أحد الشبان البقاء معي هذه الليلة ،كنت مازلت لم استوعب حقيقة ما حصل ،وهل فعلا كان حقيقة أم وهما عشته في خيالي .بت الليل بكامله وانا أتخيل تلك السيدة ومنزلها وضوء غرفتي مشتعل ،وأنا أسأل نفسي هل كنت أكلم جنية ام سيدة ؟ ولماذا لم تؤذيني ؟ هل ابناؤها أحياء أم أموات،؟ خفوت بضع دقائق ورأيتها في منامي تأتيني وتهمس في أذني لم أؤذيك لأن نيتك طيبة وأنت تشتغل بصدق مع أطفال القرية ،وهم يحبونك،لا تقترب مني ولا من بيتي ثم اختفت.قمت وصليت صلاة الفجر وحمدت الله كثيرا وقررت تدوين هذه الأسطر ليعرف الناس سر المنزل المهجور. 19.03.2025.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال