تحليل وقراءة أدبية بقلم الشاعرة الأديبة غزلان حمدي من تونس



 - - تحليل وقراءة أدبية بقلم الشاعرة الأديبة. .

                          غزلان حمدي من تونس 

                        للقصيدة أسطورة النسر. .

                  للشاعر محمد الزهراوي أبو نوفل


في قصيدته "أسطورة النسر"، يبحر الشاعر محمد الزهراوي (أبو نوفل) من نيويورك في تجربة شعرية متدفقة، تمزج بين الحنين والاغتراب والهوية، ليصوغ لوحة نادرة من الشعر الحر الذي لا يتكئ إلا على صدق الوجدان وشسوع المخيلة. بأسلوب عذب متوتر، يكتب لوطنه الأم "أسردون"، تلك القرية التي تنتمي لروحه أكثر من خريطته، ويمنحها هوية أسطورية تتجاوز الجغرافيا، لتغدو رمزا للذات، للطفولة، للقصيدة، وربما للمحبوبة.


يصفها بأنها "غريبة أو غريقة في ليل"، ويجمع بين الثنائية الموجعة: الغياب والاستحالة، الوجود والذوبان، مستعملاً لغة تنبض بالعاطفة وتفيض صورًا مركبة. في مقطع يعكس قدرة الشاعر على الاستعارة العميقة، يقول: "ليتني فيها راعي غنم أنفخ لها الناي"، وكأن العودة البسيطة المتخيلة للقرية هي النجاة الوحيدة من التهشيم الروحي والمنفى الوجودي.


القصيدة تبني سردية شعرية مدهشة، حيث يرمز الشاعر لنفسه بأنه "الماء المهجَّر"، بينما القرية هي "الهواء" الذي جرى فيه، في علاقة وجودية عضوية لا انفكاك لها. مشاعر التوق والخذلان والاختناق بالغربة تمتزج في ذات اللحظة، وتتصاعد في المشهد الذي يصف فيه حزن القرية كـ"أتان سانشو" الواقف بصبر في وجه الدهر، في إشارة رمزية مرجعية مذهلة تستدعي التراث الروائي لـ"دون كيشوت".


ما يميز هذه القصيدة هو هذا التشابك بين عناصر الذات والذاكرة والوطن والمكان والشعر، حتى ليغدو النص بأكمله قطعةً من هوية الشاعر، لا مجرد حنين. فأسردون ليست مجرد مسقط رأس، بل "القصيدة التي تنام في عينيه"، وهو "قتيل بها"، كما يعترف.


اللغة الشعرية هنا ثرية، تميل إلى التجريب الحداثي، مملوءة بعناصر الطبيعة والمعمار والمرجعيات التاريخية والأدبية. وفي ختام النص، يعلن الشاعر حقيقته النهائية الموجعة: "سأوارى التراب.. وفي نفسي منها البقية"، لتتحول القصيدة من حنينٍ إلى مرثية، ومن ذكرى إلى نشيد خالد يقاوم الاندثار.


قصيدة مبهرة، ناضجة، عميقة الدلالة، كتبها الشاعر محمد الزهراوي بلغة تليق بالأسطورة التي نسجها، وحملت على أجنحتها وطنًا لا يُنسى، ووجعًا لا يُشفى. كل الشكر والتقدير لهذا القلم النبيل الذي يسافر بالشعر والذاكرة إلى حيث لا تموت القصائد.


مع تحيات رئيس مجلس الادارة غزلان حمدي

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال