الداموس، ذاكرة الجبل.بقلم الشاعر القدير عكرمي يحياوي

 الـدامـوس – ذاكرةُ الجبل#   

بقلم عكرمي يحياوي


في قلبِ جَبلٍ مُتعب 

نامَ الداموسُ، مثلَ عجوزٍ

يحتضنُ سرّ البلادْ

يخزنُ وجعَ الفقراءْ

وأغاني الجدّاتِ في المساءْ


قريةٌ لا تُرى في الخرائطْ

لكنها تنبضُ فينا

كلّما صرخَ الفحمُ في الأكفّ

كلّما حنّتِ الأرضُ لجبهةِ عاملْ

كلّما جاعَ الحنينْ


كنا نركضُ بين الزّقاقْ

نحملُ صحنًا لأبينا

وخوفًا في الجيوبْ

نسرقُ ضوءَ الفانوسِ

لنلعبَ في الظلِّ قليلاً

نرسمُ الفحمَ على الجدرانْ

ونضحكُ من دون صوتْ

ثم ننامُ على صهوةِ الحُلمْ

كأننا نمتطي فرسًا من دخانْ

نهربُ بها من تعبِ الأمسْ

إلى فردوسٍ من أملٍ بسيطْ...


الماءُ…

لم يكن من حنفيةٍ مدلّلةْ

ولا من نهرٍ يضحكُ في الوادي

كنا نجلبهُ من عيونِ النازحينْ

نسكبّهُ في جرّةٍ طينيةٍ

قدت من نواح العجائز

ونسمعُ فيها بكاءَ المدنْ


الداموسُ ليس منجمًا فقط

هو بيتُ الذاكرةِ

سقفُه من صبرٍ

وجدرانُه من قصصِ الصغارْ

هو الرجولةُ في طورِ التشكلْ

هو الفقدُ... حين لا نبكيْ

هناك....

على كتفِ الجبلْ

وقفتُ وحدي، شاهراً فأسَ الصبرْ

أخاطبُ الغيمَ:

 بأحجية طفولية 

"زيدي مطرْ، نغسلُ وجهي من الفحمْ

زيدي بردْ، نكوي عظمي من الحنينْ"


نحنُ أبناءُ هذا المكانْ

لا ننسى رائحةَ الفحمِ

ولا طريقَ القُفّةِ

ولا دعاءَ أمّنا كلّ مساءْ

ولا ذلكَ الحنينَ...

الذي يشبهُ الماءَ المحمول من عيونِ النازحينْ


هناك...

وقف الزمن.

يرتب حقيبة الرحيل

تجمّد فيّ المنجم

وتحوّل الجبلُ إلى مرآة

تعكسُ صدى الأرواحِ القديمةْ

كأنّ اللحظةَ انكسرتْ

وصارت بئرًا بلا قاعْ...


فصرختُ في وجهِ الصمتْ:

"أمطري أيتها المقبرة

كي أغسل وجهي من هذا الغبارْ

كي أعرف أنني حيٌّ

ولو لدقيقةٍ واحدةْ..."


"أمطري…

علّ الذكرى تنبتُ فوق رأسي زهرَ نسيانْ

علّ الجبلَ يعيدُ لي ظلّي

أو قليلاً من الطينْ…"

كخرطوشةٌ… في جبينِ بغلٍ مُنهك.


بقلم 


عكرمي يحياوي

قفصة تونس

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال