الجزائر.ذكرة الارض ومهد.الأبرياء بقلم الشاعرة الأديبة غزلان حمدي من تونس


 الجزائر... ذاكرة الأرض ومهد الكبرياء


الجزائر... ليست مجرد وطن، بل ذاكرة أمة، وصرخة أبدية في وجه النسيان. هي الأرض التي كتبت تاريخها بالدم، وسقتها أقدام الأحرار، وشهدت على فصول المجد منذ أقدم العصور. من صدى الفينيقيين الذين أطلقوا عليها إيكوزيوم، إلى الأمازيغ الذين نسجوا من جبالها هوية خالدة، ومن العرب الذين عمّدوها بالإسلام، إلى الفرنسيين الذين احتلوها قرنًا وثلثًا ولم يستطيعوا ترويضها... بقيت الجزائر حرةً، أبيةً، لا تعرف الانكسار.


هي الجزائر التي اختلط في ترابها صوت المجاهد بنداء المؤذن، ودم الشهيد بزيت الزيتون، وأغنية الجدّة بحكاية الثورة. بلد تختزن في جباله الذاكرة، وفي صحرائه الأسطورة، وفي مدنه عبق الحضارات.


من الأوراس، حيث ولد الحرف الأول للثورة، إلى القصبة، حيث انطلقت الهمسات الأولى للعصيان، ومن جبل زُغوان إلى جبل لاله فاطمة نسومر، حيث كانت المرأة سلاحًا من نار، كتب الجزائريون أعظم ملاحم الكفاح. لم تكن ثورتهم مجرّد تمرّد، بل كانت دربًا للصعود إلى الحرية، عبر نهرٍ من التضحية والشهادة.


مليون ونصف المليون شهيد، رقم لا تختصره الإحصاءات، بل تُعظّمه الأرواح، وتحتفل به الحقول، وترويه الرياح للناشئة كل فجر. تلك الثورة التي انطلقت في الأول من نوفمبر 1954، ما كانت إلّا استمراريةً لروح لم تهدأ منذ سقطت أول رصاصة في وجه الاستعمار سنة 1830.


ثقافيًا، الجزائر فسيفساء إنسانية فريدة. من موسيقى "المالوف" الأندلسية في قسنطينة، إلى "الراي" الشعبي في وهران، ومن "الأهليل" التراثي في تمنراست، إلى الزغاريد القبائلية التي ترافق الأعراس والثورات، يتشكل نسيجها الثقافي من تنوّع ساحر.

أما لغتها، فهي عربية القلب، أمازيغية الجذور، فرنسية اللسان أحيانًا، لكنها جزائرية الانتماء دائمًا.


وفي الأدب والفكر، برزت أسماء كتبت مجدها بمداد الوعي، كآسيا جبار، الكاتبة التي جسّدت معاناة المرأة بين الاستعمار والهوية، ومالك بن نبي، المفكر الذي حوّل مفهوم الحضارة إلى مشروع نهضة، وكاتب ياسين الذي خاطب فرنسا بلغتها، لكنه ظل جزائريّ الدم والهوى.


هي أيضًا أرض الشعراء والفنانين، من محمد العيد آل خليفة، إلى الهادي الجويني، ومن الشاب حسني الذي غنّى الحب والحنين، إلى وردة الجزائرية التي حمَلت الوطن في صوتها أينما ذهبت.


أما جغرافيا الجزائر، فهي رواية من الجمال المتناثر:

من زرقة البحر الأبيض المتوسط إلى كثبان الصحراء الكبرى، ومن وديان الشلف الخصبة إلى جبال القبائل الشامخة، ومن غابات تيبازة إلى المداشر الأمازيغية القديمة... الجزائر حلمٌ جغرافيّ لا تكتمل به إلا قصائد السفر.


الجزائر ليست فقط علمًا أخضر وأبيض تتوسطه نجمة وهلال، بل هي نبضٌ لا يسكن، وجذور لا تُقطع، وهوية لا تتنكر.

هي المرأة التي ترتدي الحايك وتُخفي في عينيها وجع الأمهات وأمل الأوطان.

هي الطفل الذي يركض في الحقول، يحفظ نشيد "قسما"، قبل أن يتعلم القراءة.


في كل بيت جزائري قصيدة، وفي كل قرية ذاكرة، وفي كل قلب خريطة حب لهذا الوطن.


الجزائر...

إن نسيتَها، أعادك التاريخ.

وإن غبت عنها، نادتك الأرض.

وإن خنتها، لعنَتك دماء الشهداء.


بقلمي الأديبة الشاعرة غزلان حمدي من تونس

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال