بقلم د.عزام عبد الحميد ابو زيد فرحات

 فن التعامل مع المُخْطِئين .

من الأخطاء التي لا يَكاد يَسلم منها أحد إلا من رحم الله ، قسوة التعامل مع المُخطئ ، عندما نرى مُخطئاً في كبيرة أو صغيرة فإن الكثير منا يُبالغ في القسوة والغِلظة والتنكيل بالمخطئ ، بل إن البعض منا يُبالغ في القسوة والغِلظة والتنكيل بمن فعل سفاسف الأمور المُختلف فيها -- كمن شرب قائماً أو أرخي ثوبه أسفل الكعبين .

ولأمثال هؤلاء نقول : رفقاً بالمخطئين ، فقد يكون أحد المخطئين أفضل من الواعظ ذاته ، لا أقول دعوهم مع أخطائهم ولكن قوموا سلوكهم بالحكمة والموعظة الحسنة، لا تسبوهم بأقبح الألفاظ، لا تدعوا عليهم بالطرد من رحمة الله فتكونوا مع الشيطان عليهم، فإن غاية الشيطان أن يُحرم كُل الناس من رحمة الله مِثله ، ولكن ادعوا الله لهم بالهداية والصلاح ، مع الكلمات والبسمات التي تفتح القلوب وتأسر النفوس .

هذا رجل اعتاد شُرب الخمر ، وعِدة مرات يُمسك الصحابة رضي الله عنهم به وهو سَكران ، ويُقدمونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكي يُقيم عليه حَد شُرب الخمر ، وذات مرة لعنه رجل أي دعا عليه رجل بأن يكون من المطرودين من رحمة الله عقاباً له على كثرة سُكره ، فإذا بالحبيب صل الله عليه وسلم ، يأمرهم بالدُعاء له بالهداية لا بالدعاء عليه بالهلاك ، روي الإمام البخاري في صحيحه من حديث عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه: ” أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا ، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ : اللَّهُمَّ العَنْهُ ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )

 وروي الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( أُتِيَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ برَجُلٍ قدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ -قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بيَدِهِ، والضَّارِبُ بنَعْلِهِ، والضَّارِبُ بثَوْبِهِ- فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ القَوْمِ أخْزَاكَ اللَّهُ! قَالَ: لا تَقُولوا هَكَذَا ؛ لا تُعِينُوا عليه الشَّيْطَانَ ).

وعند أبي داود بلفظ مقارب وفيه زيادة : ( فقالَ بعضُ القومِ: أخزاكَ اللَّهُ . قالَ: لا تَقولوا هَكذا لا تُعينوا عليْهِ الشَّيطانَ ولَكن قولوا: اللَّهمَّ اغفِر لَهُ ، اللَّهمَّ ارحمْهُ ).

 هذا الرجل السِكير المُذنب فيه جوانب خير ، كان يُحب الله ورسوله ، كان إذا رأى رجلاً يبيع أواني مملوءة بالعسل أو السَمْن في السوق يشتريها بالأجل ، ثم يُقدمها هدية لرسول الله صل الله عليه وسلم ، وإذا جاء صاحب السمن أو العسل يُطالب بحقه ولم يكن معه مال ، فكان يصطحبه لرسول الله صل الله عليه وسلم ليدفع الثمن ، أي أنه كان يُقدم أي شيء للتعبير على محبة الله ورسوله ، روى أبو يعلى في “مسنده” ، وأبو نعيم في “الحلية” ، والضياء في “المختارة” عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه : ” أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا ، وَكَانَ يُهْدِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُكَّةَ مِنَ السَّمْنِ ، وَالْعُكَّةَ مِنَ الْعَسَلِ ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا يَتَقَاضَاهُ جَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِ هَذَا ثَمَنَ مَتَاعِهِ ، فَمَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَبْتَسِمَ وَيَأْمُرَ بِهِ فَيُعْطَى ، فَجِيءَ بِهِ يَوْمًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ ، فَقَالَ رَجُلٌ : اللَّهُمَّ الْعَنْهُ ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَلْعَنُوهُ ؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).

اللهم ارزقنا حُسن الإقتداء بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال