تحليل وقراءة أدبية بقلم الشاعرة الأديبة غزلان حمدي

 تحليل وقراءة أدبية بقلم الشاعرة الأديبة غزلان حمدي من تونس

يُقيم هذا النص الشعري عالماً وجدانياً كثيفاً، تتداخل فيه الطبيعة مع الداخل الإنساني في علاقة إسقاطية واضحة، حيث يتحوّل الشتاء من فصلٍ مناخي إلى حالة شعورية كاملة. منذ المطلع، تُقابِل الشاعرة بين رياح ديسمبر وتكاثف نبضات القلب، في إيحاء بأن ما يهُبّ في الخارج إنما يوقظ ما هو أعمق في الداخل، فتغدو النبضات لغةً موازية للرياح، والبرد مرادفاً للوحدة والقلق.


توظيف الصور الطبيعية جاء ثرياً ومتماسكاً؛ فالرياح، الثلج، المطر، الرعد، البرق، الغيوم والطوفان، كلها عناصر لا تُستعمل للزينة البلاغية، بل لتجسيد حالات نفسية متقلبة بين الحنين والانكسار. صورة “أشجار السنديان الشامخة” المنبثقة من بقايا الخريف تُحيل إلى فكرة الصمود رغم الفقد، بينما الأوراق الحزينة المتساقطة فوق يابسة “تنام كي تنمو من جديد” تحمل بعداً أملِيّاً خافتاً، كأن الألم مرحلة ضرورية للبعث.


اللغة في النص شفافة ومشحونة بالعاطفة، تتراوح بين الجملة القصيرة المتوترة والجملة الممتدة التي تحاكي انسياب المطر وتشظّي الشعور. ويتجلّى البعد الذاتي بوضوح في لحظات التشتت والانكسار، حين تحاول الشاعرة لملمة أشلائها بالقلم، فيتحوّل فعل الكتابة إلى ملاذ أخير من الضياع، وتصبح السطور حضناً بديلاً عن العالم. هذا الوعي بدور الكتابة يمنح النص صدقه وعمقه، ويُبرز الشاعرة في حالة مواجهة مباشرة مع ذاتها.


التكرار الدلالي لمفردات البرد، الشتاء، العواصف، والظلام يعزز الإحساس بالحصار النفسي، فيما تتكثف الصورة أكثر في مقطع “نبضات قلبي بلا مأوى ولا عنوان”، وهي ذروة شعورية تختصر الإحساس بالاقتلاع والتيه. أما إدخال صوت الغربان والتلال والشرفات، فيمنح المشهد بعداً بصرياً وسمعياً يزيد من قتامة الجو، ويعمّق الإحساس بالحزن والوحشة.


ينتهي النص بنداء مباشر للشتاء، وكأنه كائن واعٍ متهم بإحداث هذا الطوفان الداخلي، في خاتمة مفتوحة على الانكسار أكثر من الحل، لكنها تظل صادقة وغير متكلفة، محافظة على وحدة الشعور من البداية إلى النهاية. قصيدة “نبضات شتوية” نص وجداني ناضج، ينجح في تحويل الألم الشخصي إلى تجربة شعرية قابلة للتلقي والتماهي، ويكشف عن حس شعري مرهف وقدرة واضحة على تطويع الصورة واللغة لخدمة المعنى.


الشكر والتقدير للشاعرة عائشة ساكري – تونس على هذا النص الشفيف والعميق، الذي يفيض إحساساً ويؤكد حضور صوت شعري صادق، يكتب من القلب فيصل إلى القلب.


مع تحيات رئيس مجلس الادارة غزلان حمدي


نبضات شتوية 🌧️🌩️


بقلمي عائشة ساكري تونس 


حين تهب رياح ديسمبر،


تتكاثف نبضات قلبي.


رياح شتوية بنسمات ثلجية


تراقص الأرواح وكأنها


أشجار السنديان الشامخة.


من بقايا خريفٍ راحلٍ،


تتساقط أوراقها الحزينة


على اليابسة التي تنام


كي تنمو من جديد.


رفقاً أيها القادم....


قلوبنا رقيقة كورق


الثلج على رفوف بقايا


تشرين الثاني المتناثرة 🍁.


هنا: ديسمبر،


كانون الأول الأصم.


ونسمات الاشتياق تمطر


نبضات قلبي الآسرة.


برد الشتاء يؤرقني،


رعد وصواعق ترج أركاني،


وضوء البرق في الكون يشع


نوره على أوراقي المتناثرة.


أحاول لملمة أشلائي،


وأتعجل أخذ قلمي،


وأرسم كلماتي، عسى


ظلام الليل يداهمني


وتضيع بوصلتي، وأرتمي


في حضن السطور ولا


أعرف المسافات


بين الحرف والحرف.


وتختلط حبات المطر المتسرب


بين جفوني الثملى.


عواصف هوجاء


ثلجية تكسر


زجاج أنفاسي،


لتصبح نبضات قلبي


بلا مأوى ولا عنوان.


لا أدري 


وكأن الأجواءفي قلبي 


كانت عميقة السكون 


التي تتلاعب بها رياح الشوق 


وصوت الغربان 


على التلال والشرفات.


كان يومًا حزينًا، لعلّ غيوم


قلبي انهزمت وانهمرت


سيولاً وأنهاراً.


وأي طوفان هذا في داخلي 


أيها الشتاء الحزين!!!


تونس  13_12_2022

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال