الأبناء مرٱت الصدق
في زمن كثرت فيه الادعاءات وقلّ فيه الصدق، تبقى بعض المواقف شهادة صامتة، لا تخفى على من عاشها. حين يكون الشاهد حاضرًا، رأى وعاين، يصبح الكلام ضرورة لتسجيل الحق كما هو، بلا تزيين أو خوف.
الأبناء في كل بيت هم الميزان الحقيقي للأخلاق التي تربّوا عليها. منهم من يكبر صامتًا، يحمل قلبًا واعيًا يشعر بتعب من حوله، يلتفت بحنان، يكون أول من يمدّ يده عند المرض، وأول من يطمئن عند الغياب، وأول من يفكر براحة الآخرين قبل نفسه.
هذا النوع من الأبناء لا يحتاج إلى رفع صوته، ولا إلى التبجّح بما يفعل. حضوره وحده يكشف قيمه، وطبعه يشهد على أصله، وحنانه يسبق الكلمات كلها. فالتفاصيل الصغيرة—التي لا يراها إلا من يعيشها—تثبت أن التربية ليست شعارات تُرفع، بل أخلاق تُترجم في أدق اللحظات.
وفي المقابل، هناك من يدّعي المحبة والنضال، يرفع الشعارات ويخطب عن المبادئ، بينما أقرب المواقف تكشف غيابه. يتقن اللسان، لكنه ينسى الفعل؛ يجيد الكلام، لكنه يتهرّب من المسؤولية. ولا يبقى من حضوره إلا صدى كلامه بلا أثر، بل أحيانًا يُحمّل غيره نتائج أخطائه وأفعاله، حتى وهو في كبره.
الحياة دائمًا تُظهر الفرق بين من صُنعت أخلاقه في قلبه وبين من صُنعت في لسانه فقط. هناك أبناء يرفعون مكانتك بصمت، وآخرون يُحمّلون غيرهم مسؤولية أخطائهم، حتى وهم كبار.
مع تحيات الشاعرة الأديبة
غزلان حمدي