تحليل نقدي بقلم الدكتور مصطفى محمد العياشي
قصيدة "غزل شاعر" للشاعرة عائشة ساكري تأخذنا في رحلة حسية عميقة تتناول موضوع الحب والغزل بأسلوب يجمع بين الرقة والقوة. تعكس الأبيات شغفًا متأصلاً بالحياة والعاطفة، حيث تساءلت الشاعرة بلاغيًا عن كيفية الغزل، وهو سؤال يُبرز التماهي بين الحب والشعر، باعتبار أن الشعر هو انعكاس للروح العاشقة.
في المقطع الأول، يظهر الشعر كمرآة للحب المتغلغل في أعماق الشاعرة، حيث يمثل الحب ملاذًا يملأ العيون ويسكن الأحلام. هذه الصور تجسد فكرة أن الحب ليس مجرد شعور عابر، بل هو جزء أساسي من الكيان البشري ومن وعيه العاطفي. تكرار مفهوم "الشوق" و"الغرق" يعمق الإحساس بالعشق الذي يطغى على كل شيء، حتى الزمن الذي يطعن العاشق بألمه.
يتطور النص في مقاطع لاحقة ليعكس حزنًا عميقًا تجاه الحب، إذ تصف الشاعرة الهوى كداء لا شفاء له، مما يعزز الشعور بالفقد والألم. ومع ذلك، يبقى الحب بالنسبة لها شيئًا ساميًا لا يُحتكر ولا يُذل، بل هو سمو يرتقي بالقلب البشري إلى مكانة نبيلة.
أما المقطع الأخير، فيبرز الحب كنوع من الوفاء الذي يُسطر على القلب وكأنه نقش خالد. الحب هنا ليس مجرد تجربة مؤقتة، بل هو جوهر الحياة، والعطر الذي يملأ ليالي السمر. ومن كان مخلصًا لهذا الحب، فقد عاش حياة طاهرة ونقية.
في الختام، عائشة ساكري أظهرت من خلال هذه القصيدة براعة أدبية نادرة، تجمع بين الإحساس العميق والتعبير المتقن. قدرة الشاعرة على تصوير العاطفة بجمال وقوة في آن واحد تجعل من قصيدتها عملًا أدبيًا رفيع المستوى، يعكس ثقافتها العربية وعمقها الإبداعي.
مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي
**غزل_شاعر **
لا تسألِ الشاعرَ كيفَ الغزلْ
فأهلُ الهوى في الغرامِ الأملْ
همُ في العُيونِ لعشقٍ سُكنْ
وفي حُلُمِ الحبِّ دوماً غرقْ
فالشعرُ يجري بأعماقِنا
وينمو كأشجارِ هذا الوطنْ
فلمَ تسألوني عنِ الحبِّ إذْ
قلبٌ بهِ شوقُ عشقٍ وَهَنْ
عرفتُ الهوى وبكَيتُ لهُ
كأنَّ الزمانَ بخنجرٍ طعَنَ
فيا ليتَ للموجعِ طبّا يُداوي
فالحبُّ داءٌ يُمزِّقُ بدَنَ
أيا ليتني لم أُسَطِّرْ غزلْ
فليسَ الحبيبُ بذلٍّ يُحتَكَرْ
ومن قالَ إنَّ الهوى ذِلَّةٌ
فما كانَ يوماً بقلبٍ بَشَرْ
أنا أرسمُ الحبَّ في خافقي
بحرفِ الوفاءِ وعطرِ السَّمَرْ
فمنْ كانَ للحبِّ يوماً خليلْ
فقد عاشَ عُمراً نقيَّ الأثري
عائشة ساكري_من تونس. 12_10_2024