تحليل نقدي بقلم مشترك للاستاذ الشاعر محمد الوداني والشاعرة غزلان حمدي من تونس
قصيدة "رثاء" للشاعرة عائشة ساكري تأتي كصرخة وجدانية تجسد الفقد والحنين العميق، مستخدمةً صورًا شعرية تحملتحليل نقدي بقلم مشترك للاستاذ الشاعر محمد الوداني والشاعرة غزلان حمدي من تونس
قصيدة "رثاء" للشاعرة عائشة ساكري تأتي كصرخة وجدانية تجسد الفقد والحنين العميق، مستخدمةً صورًا شعرية تحمل قوة العاطفة والأسى، وكأنها تمزج بين الفناء والذكرى في لوحة من الحزن النبيل.
القصيدة تتناول تيمة الموت والفقد من منظور إنساني حميم، حيث تتجلى حالة من الاستسلام القدري للموت، مع حضورٍ مكثف للعاطفة المتقدة التي تحاول أن تتمسك بالوجود رغم إدراكها لحتمية الرحيل. هذه المشاعر تتجلى بوضوح في قولها:
"دثِّريني من صقيع البرد واحتويني،
لا تَدَعي الحنين يعصف بي
ولا الغياب يسرق ما تبقّى من أنفاسي."
هنا، يتجلى عجز الشاعرة أمام قسوة البرد الذي يعكس غربة الروح وعزلة الجسد، ليصبح البرد رمزًا لفقدان الدفء العاطفي والإنساني. إضافةً إلى ذلك، يظهر في هذه الأبيات الحنين إلى الحضور، إلى الراحة والطمأنينة، رغم شعور الشاعرة بالتيه والفقد.
وبالرغم من النبرة الحزينة التي تهيمن على النص، نجد في الأبيات التالية نبرة من الاستسلام:
"فالرحيل بات قدري، والطريق يناديني..."
هذه الجملة تشير إلى قبول الشاعرة لحقيقة الفناء، ويكتسب الرحيل هنا بعدًا مقدرًا، لا يمكن تجنبه. لكن، ورغم ذلك، تبقى لحظة الوداع ثقيلة على القلب، ويستمر الصراع بين الرغبة في البقاء والحاجة إلى الرحيل.
أكثر ما يلفت الانتباه في القصيدة هو تكرار طلب "دثِّريني" في مطلعها، والذي يعكس الحاجة الماسة إلى الاحتواء والعناية في لحظات الفقد، مما يعزز شعور الشاعرة بالوحدة والفراغ. وبذلك، تصبح صورة "الدفء" في القصيدة منبعًا للراحة النفسية والعاطفية التي تحاول الشاعرة أن تجدها في مواجهة الموت.
وتكمل الشاعرة في نهايتها صورًا بلاغية تجمع بين الحنين والعزاء، متحدثةً عن الحياة بعد الموت، متمنية أن تُذكر وتُحفظ الذكرى. "فاذكريني حين يورق الشوق، واذكريني حين يهطل المطر، واذكريني كلما همس النسيم باسمي" هي تأكيد على أن الذكرى تظل حيّة، وأن غياب الجسد لا يعني غياب الروح.
القصيدة تفيض بمشاعر الفقد والاستسلام، وتهدف إلى تثبيت الذكرى في قلوب المحبين.
مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والقراءة النقدية التحليلية الثقافية العربية.
قصيدة رثاء كتبتها في 4 فيفري 2023 في كارثة زلزال سورية.
الفقيد د مصطفى محمد العياشي قرأها عديد المرات في حياته وكأن دوما يقول لي، إنها تمثلني وياريت تنشريها بعد وفاتي
وها أنا اليوم ألبّي رغبته. رحمة وغفرانا لروحه الطاهرة.
**رثاء**
دثِّريني من صقيع البرد واحتويني،
لا تَدَعي الحنين يعصف بي
ولا الغياب يسرق ما تبقّى من أنفاسي.
يا منية الروح، لا تغوصي في أوجاعي، ولا تسأليني،
فقد أفردتُ أشرعتي، وأذِنتْ ساعة الرحيل...
لا تسأليني لماذا مزّقتُ عني وشاح الهوى،
وأغرقتُ بيدي السفينة،
فلا ريحٌ تعيدني ولا ميناء ينتظرني.
لا تسأليني بعد اليوم عن دفءٍ،
فقد مات النبض في عروقي،
واحتبس الصهيلُ،
ولم يبقَ إلا الصمتُ يؤنس وحشتي.
قد أمطرتِ فوق جبيني شوكًا،
وغَرستِ في أضلعي سهمًا،
فأرديتني بين يديْكِ قتيلًا ،
أحمل جراحًا لا تندمل، وذكرى لا تموت.
دثِّريني من صقيع البرد واحتويني،
فالرحيل بات قدري، والطريق يناديني...
إنّي لراحلٌ لجنان الخلد،
فاذكريني حين يورق الشوق،
واذكريني حين يهطل المطر،
واذكريني كلما همس النسيم باسمي،
فربما تأتي الأحلامُ يومًا،
فتلملمُ بقاياي من بين ركام النسيان...
فاذكريني.
عائشة_ساكري من_تونس 🇹🇳
4 فيفري 2023 قوة العاطفة والأسى، وكأنها تمزج بين الفناء والذكرى في لوحة من الحزن النبيل.
القصيدة تتناول تيمة الموت والفقد من منظور إنساني حميم، حيث تتجلى حالة من الاستسلام القدري للموت، مع حضورٍ مكثف للعاطفة المتقدة التي تحاول أن تتمسك بالوجود رغم إدراكها لحتمية الرحيل. هذه المشاعر تتجلى بوضوح في قولها:
"دثِّريني من صقيع البرد واحتويني،
لا تَدَعي الحنين يعصف بي
ولا الغياب يسرق ما تبقّى من أنفاسي."
هنا، يتجلى عجز الشاعرة أمام قسوة البرد الذي يعكس غربة الروح وعزلة الجسد، ليصبح البرد رمزًا لفقدان الدفء العاطفي والإنساني. إضافةً إلى ذلك، يظهر في هذه الأبيات الحنين إلى الحضور، إلى الراحة والطمأنينة، رغم شعور الشاعرة بالتيه والفقد.
وبالرغم من النبرة الحزينة التي تهيمن على النص، نجد في الأبيات التالية نبرة من الاستسلام:
"فالرحيل بات قدري، والطريق يناديني..."
هذه الجملة تشير إلى قبول الشاعرة لحقيقة الفناء، ويكتسب الرحيل هنا بعدًا مقدرًا، لا يمكن تجنبه. لكن، ورغم ذلك، تبقى لحظة الوداع ثقيلة على القلب، ويستمر الصراع بين الرغبة في البقاء والحاجة إلى الرحيل.
أكثر ما يلفت الانتباه في القصيدة هو تكرار طلب "دثِّريني" في مطلعها، والذي يعكس الحاجة الماسة إلى الاحتواء والعناية في لحظات الفقد، مما يعزز شعور الشاعرة بالوحدة والفراغ. وبذلك، تصبح صورة "الدفء" في القصيدة منبعًا للراحة النفسية والعاطفية التي تحاول الشاعرة أن تجدها في مواجهة الموت.
وتكمل الشاعرة في نهايتها صورًا بلاغية تجمع بين الحنين والعزاء، متحدثةً عن الحياة بعد الموت، متمنية أن تُذكر وتُحفظ الذكرى. "فاذكريني حين يورق الشوق، واذكريني حين يهطل المطر، واذكريني كلما همس النسيم باسمي" هي تأكيد على أن الذكرى تظل حيّة، وأن غياب الجسد لا يعني غياب الروح.
القصيدة تفيض بمشاعر الفقد والاستسلام، وتهدف إلى تثبيت الذكرى في قلوب المحبين.
مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والقراءة النقدية التحليلية الثقافية العربية.
قصيدة رثاء كتبتها في 4 فيفري 2023 في كارثة زلزال سورية.
الفقيد د مصطفى محمد العياشي قرأها عديد المرات في حياته وكأن دوما يقول لي، إنها تمثلني وياريت تنشريها بعد وفاتي
وها أنا اليوم ألبّي رغبته. رحمة وغفرانا لروحه الطاهرة.
**رثاء**
دثِّريني من صقيع البرد واحتويني،
لا تَدَعي الحنين يعصف بي
ولا الغياب يسرق ما تبقّى من أنفاسي.
يا منية الروح، لا تغوصي في أوجاعي، ولا تسأليني،
فقد أفردتُ أشرعتي، وأذِنتْ ساعة الرحيل...
لا تسأليني لماذا مزّقتُ عني وشاح الهوى،
وأغرقتُ بيدي السفينة،
فلا ريحٌ تعيدني ولا ميناء ينتظرني.
لا تسأليني بعد اليوم عن دفءٍ،
فقد مات النبض في عروقي،
واحتبس الصهيلُ،
ولم يبقَ إلا الصمتُ يؤنس وحشتي.
قد أمطرتِ فوق جبيني شوكًا،
وغَرستِ في أضلعي سهمًا،
فأرديتني بين يديْكِ قتيلًا ،
أحمل جراحًا لا تندمل، وذكرى لا تموت.
دثِّريني من صقيع البرد واحتويني،
فالرحيل بات قدري، والطريق يناديني...
إنّي لراحلٌ لجنان الخلد،
فاذكريني حين يورق الشوق،
واذكريني حين يهطل المطر،
واذكريني كلما همس النسيم باسمي،
فربما تأتي الأحلامُ يومًا،
فتلملمُ بقاياي من بين ركام النسيان...
فاذكريني.
عائشة_ساكري من_تونس 🇹🇳
4 فيفري 2023
