حقيبة سفر الشاعر الراقي حيدر الدحام

 حقيبة سفر


رفع حقيبته من الأرض، حضنها بقوة وضمها لصدره، صافرة القطار تعلن بدأ الرحلة، تأمل المكان بنظرة حزينة كأنه يودعه دون رجعة!!

صعد إلى القطار، وألتفت للمودعين ملوحًا بيده رغم عدم معرفته لأي منهم!!

ألقى بجسده النحيل على مقعد يجاور الشباك، تحسس حقيبته دون أن يفرط بها ولم يضعها في المكان المخصص للحقائب لتبقى لصيقة قرب قلبه يجمعهما نبض واحد.

صوت صرير عجلات القطار فوق السكة هيج مشاعره الدفينة لينفجر بالبكاء، كفكف دمعه، كتم أنينه، واستجمع شجاعته التي طالما خانته في مثل هكذا مواقف.

فتح سحاب حقيبته ليخرج منها شالا ( فوطة ) لوالدته، قبله، مسح به وجهه، شم عطره، فأغمي عليه ..

كانت الرحلة شاقة وطويلة، مضى منها أربع ساعات، ربت على كتفه احد المسافرين :

- آسف لازعاجك، أعتقد إنك نمت بما فيه الكفاية، لقد وصلنا المحطة الرابعة، هل ترغب في النزول للاستراحة؟ 

- شكرا سيدي ، سألحق بك.

فرك عينيه، جال بنظره حول المكان محاولًا اكتشافه، نزل متأبطًا حقيبته، جلس على طاولة مفردة في زاوية أحد المطاعم، حاول أن يأكل، تذكر أمه وبيته، فقد الشهية، فدفع الطعام جانبًا.  

- ما الذي يحدث معي ؟ هل كل من يسافر يحصل معه هكذا؟! 

نهض مسرعًا، وقف على تلة صغيرة قرب المكان تغطيها أشجار الزيتون والرمان، سحب نفسًا عميقًا من الهواء النقي الذي لم يعتده سابقًا، صوب نظره للسماء قائلًا :

- إلهي، ألهمني الصبر والتدبير، مللت الحياة، كرهت كل شيء، قررت الرحيل، لكن حضن أمي يناديني وصورتها لا تفارقني، وما عدت أحسن الاختيار.

ذهب خياله بعيدًا حيث طفولته ومرضه وما عانته والدته من ألم وسهر لحين شفائه، سهرها معه أوقات الدراسة وتوفير الأجواء المثالية للنجاح، خوفها عليه أيام الحرب ولهفتها عليه لحين عودته سالمًا. 

- ما أتعسني بفراقها .. ها أنا أعدد فضائلها، وقد جعل الله الجنة تحت أقدامها !!

رجع إلى المحطة، بحث عن قطاره، فإذا به قد تركه وغادر.


حيدر الدحام

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال