تحليل وقراءة أدبية بقلم الشاعرة الأديبة غزلان البوادي حمدي من تونس
في هذه القصيدة، تجسّد الشاعرة عائشة ساكري من تونس صورة "حواء" في أبهى تجلياتها، مبتعدة عن النمطية التقليدية التي اختزلتها في ثنائية الخطيئة والطاعة، لتمنحها بُعدًا وجوديًا وجماليًا خاصًا. تبدأ القصيدة بوصف حواء بأنها كائن يتجاوز المألوف، لا يُرى بالسحر، بل هو السحر ذاته، المتدفق من عمق أنوثتها ورقتها كـ "رذاذ عطر"، مشبّعة بروح الطبيعة والندى، حيث يتحول الجمال إلى طاقة تُشعر بها الأشياء من حولها.
هذا الجمال ليس ساكنًا بل حركي، ينبض بالحياة، فالأغصان تتمايل لطيف مشيتها، والمرايا تنطق عندما تصمت، وكأنها تخلق الحياة من حولها بمجرد وجودها. تستخدم الشاعرة بلاغة عالية لتصوير المرأة كقوة خلاقة، فحواء ليست متلقية بل باعثة للجمال ومصدرًا له.
ثم تنقلنا الشاعرة إلى صورة حواء ككائن حر، "كعصفورة جامحة"، رمزًا لرفض القيود وللعفوية المدهشة. نسائم أيار هنا ليست مجرد فصل، بل حالة من انتشاء روحي يطلق هذا الكائن الأنثوي نحو فضاءات من الحلم والتحليق، وكأنها لا تخضع لأحد. حتى في لحظة المغازلة، لا تكتفي الشاعرة بالتلميح، بل تعلن أن حواء تُغازل جهرًا، في كسر متعمّد لثنائية الحياء والخجل المرتبطة تقليديًا بالأنثى، ما يجعل النص صرخة تحرر من النمط الذكوري في النظر إلى المرأة.
وتصل الشاعرة إلى ذروة التخييل في آخر مقطع حين تمنح حواء سلطة لغوية وعاطفية مطلقة: تارة تشعل الورد بالكلام، وتارة تُزهِر الأرضَ بصمتها. هنا تصبح المرأة كائنًا قادرًا على التأثير بالوجود ذاته، بالكلمة وبالصمت، بالحضور والغياب، لتكون في النهاية ليست نصف المجتمع فقط، بل النصف الحي والمُلهِم فيه.
القصيدة قصيرة، لكنها مفعمة بالدلالات والإيحاءات التي تنضح باحترام الأنثى، وإعلاء شأنها، وتحريرها من صور التبعية والخضوع، وهي نص يُعبّر عن نضج لغوي ورؤية جمالية رفيعة لدى الشاعرة عائشة ساكري.
مع تحيات رئيس مجلس الادارة غزلان حمدي
**حواء**
بقلم الشاعرة عائشة ساكري_تونس
16 ماي 2025
وصفوها بأنها السحر الذي لا يُرى،
جمال متدفّق، وكأنه رذاذُ عطرٍ
يرشّ أريجه على من حولها عبقَ الندى.
تمشي، فتتمايل الأغصانُ طربًا،
وتصمت، فتغني المرايا من دلالها.
كعصفورةٍ جامحة،
كلما هبّت نسائم أيّار
تراها تُحلّق طربًا نحو المدى...
ويا عجبي!
تُغازلني جهرًا، وعناقُها مستباحٌ
دون خجلٍ أو حياء!
هي حواء،
إن شاءت، أشعلت الوردَ كلامًا،
وإن صمتت، أزهرت الأرضُ هيامًا.