عندما تنطق النفس بقلم الكاتبة ورود نبيل_الأردن

 "عندما تنطق النّفس"

أحيانًا، تمرّ بنا لحظات لا نفهم فيها أنفسنا؛ نظنّ أنّنا بخير، لكن كلمة صغيرة تكسِرنا، نضحك مع النّاس، ثم نعود إلى منازلنا لنغرق في صمتٍ لا أحد يسمعه، تلك اللحظات ليست ضعفًا، بل علامة على أنّ النّفس تتكلم، وأنّ في داخلنا ما يستحق الإنصات.

كلّ شعور نمرّ به يترك أثرًا في أرواحنا، حتى وإن أنكرنا، الحزن، مثلاً، لا يرحل لأننا تجاهلناه، بل يتمدد في الزّوايا الخفيّة، يخزّن نفسه في المواقف، في الرّوائح، في الأغاني القديمة.

 الحزن لا يطلبُ إذنًا، لكنّه يعلّم الصّبر.

وفي طيّات الحزن، يقيم الفقد، هو الشُّعور الذي يجعلنا نكفّ عن السؤال، لأنّ الإجابات لن تُعيد من رحل، الفقد يسرق الأمان، لكنّه أيضًا يُجبرنا على إدراك هشاشة كلّ شيء. 

عندما نفقد، نكبر فجأة، نفهم قيمة اللحظة، ونبدأ في تقدير التّفاصيل الصّغيرة التي لم نلاحظها من قبل.

أما الحب، فهو النّور الذي يفضحُ زوايانا المظلمة. يجعلنا نواجه أجزاء من أنفسنا لم نعرفها، الحب ليس ورديًا كما يبدو، بل يحمل قلق التعلّق، وخوف الفقد، ورغبة دائمة في البقاء في عين الآخر، الحب الحقيقيّ ليس من يشعل فينا اللّهفة، بل من يهدينا الطمأنينة.

القلق شعور ذكيّ، يعرف كيف يتنكر؛ أحيانًا يلبس ثوب الاجتهاد، فيدفعنا للإنجاز المفرط، وأحيانًا يظهر كحذر مفرط، أو كثرة التّفكير في كل قرار.

 القلق يقول: احذر، حتى لو لم يكن هناك ما يستدعي الحذر، هو محادثة داخلية لا تنتهي، صراع بين الرّغبة في السّيطرة، والخوف من المجهول.

ومن القلق تولد الوحدة، عندما نشعر أن أحدًا لا يفهم ما نمرّ به، قد نكون بين النّاس، محاطين بالضّحكات، ومع ذلك نحسّ أنّنا وحدنا؛ لأنّ الوحدة الحقيقية ليست غياب الآخرين، بل غياب التّفاهم. 

لحظة شعورنا أنّ لا أحد يرى ما بداخلنا، تكون الوحدة قد بلغت ذروتها.

ثم يأتي الأمل، كمن يتسلل من شقوق الجدران، لا يحتاج إلى باب، بل إلى فرصة؛ الأمل لا يطلب منا أن نكون أقوياء، بل فقط أن نؤمن أنّ الغد قد يحمل مفاجأة، أنّ الألم ليس دائمًا، وأنّ الظّلام ليس إلا مرحلة.

الشّفاء يبدأ عندما نعترف أنّنا تعبنا، حين نتوقّف عن التّظاهر بالقوّة، ونسمح لدموعنا أن تنزل دون خجل. الشّفاء ليس بالضرورة أن ننسى، بل أن نتحرّر من ثقل التذكّر، أن نقول لأنفسنا: لقد عانيت، لكنّني هنا، ما زلت أحاول.

أما المواجهة، فهي تلك اللّحظة التي نختار فيها أن نعيش بصدق، حتى لو كان ذلك مؤلمًا، نواجه خوفنا، وذكرياتنا، ونقصنا، ونبدأ من جديد. 

لا أحد يَشفى دون أن يمرّ بالمواجهة؛ هي الطّريق إلى النّمو، والعبور إلى سلامٍ ناضج، لا يخلو من الشّوائب، لكنّه حقيقي.


الكاتبة: ورود نبيل- الأردن


إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال