عالم العزلة
كنت اعتقد أن أسوأ شيء في الحياة هو أن يبقى الإنسان وحيداً ، حتى اكتشفت أن أسوأ شيء في الحياة أن تجد الأماكن فارغة وهي مملوءة بالناس تجعلك تشعر بأنك في عالم آخر منعزل وحيدا ، الأماكن مزدحمة بالحضور وأنت في عالم الوحدة ، تشعر بالعزلة ومن حولك تغص الأجساد بكثرة الحشود ، فكم من غائب يحتل الوجدان وكم من قريب حاضر ليس له في قلوبنا مكان ، الانسجام والتفاهم بالروح لا بهيكل الجسد ، والقرب بالقلوب لا بالابدان ،الوحدة أجمل بكثير من الذين يذكرونك فقط وقت فراغهم أو مصالحهم .
حين تتكاثر الأسئلة بداخلنا ولا نجد له إجابات واضحة عند الغير ، تصبح القراءة والكتابة فعل نجاة وسلام و ممرا أمن الى الذات ، هي من تنقذنا من التيه و الضياع ومن التشظي حيث تمنحنا الراحة النفسية والقوة على ترميم أنفسنا بالأمل وتسمية مشاعرنا و ترويض احزاننا و الغوص في داخل ذواتنا ،تمنخنا القدرة على صنع وطن يخصنا ويحتوينا ، من عالم بات يملأه الكذب وتملق و المظاهر الزائفة غير مفهومة تكثر فيه الأقنعة المتعددة لا تعرف حبيب من غريب ، يسكن النفس القلق والتوتر والانزعاج فيها ، تصبح العزلة والوحدة أحسن وأفضل من ضجيج المنافقين ، إذ كنت لا تستطيع مجاراة الآخرين في تصنعهم من الأحسن الابتعاد عنهم لم تعد الأعداء تأتي من بعيد بلا تولد بيننا ومن مجالسنا .
الوحدة والعزلة لم تكن يوماً هروبا من الواقع أو الحياة بل الهروب الى نفسك هي مرحلة تطهير النفوس رحلة سفر والبحث عن وطن وانتماء الى حياة تشبهنا و تفهم أرواحنا ، العزلة هو وطن تلجأ لها الارواح المتعبة ،بدل من ضجيج وبعض الناس تصافحنا بحرارة و قلوبهم مغلقة ، في وجهك مبتسمة وخلف ظهرك نمامة مخادعة منافقة كاذبة ، في زماننا تختار الناس فيه التملق مع الزيف حرفة و تجارة ، الصمت ليس أن تقبض على لسانك الصمت الحقيقي هو أن تقبض على قلبك .
ما عشقنا الوحدة إلا حين صار الواقع مسرحا كبيراً وصرنا نحن أقل الشخصيات تمثيلا لأننا لا نستطيع ارتداء الأقنعة وتغير ملامحنا كل يوم أو تخفيها فغادرت نفوسنا المسرح و خشبة حياتهم ، هربنا من أجل الطمأنينة والسكينة وسلامة ذواتنا ونجاة ارواحنا من الضجيج والضوضاء ، قمة الأدب أن تصاحب نفسك و تستحي منها ، ليس كل من اعتزل الناس انطوى ربما لم يعد يحتمل النفاق و المثالية الزائدة .
على هامش هذا الصراعات و النزاعات ، احتسى من كأس الوحدة مرارة الناس و ابتسم الى الحياة ، الوحدة لا تبكينا بل تربينا ،مدرسة من نوع اخر علمتني كيف أعيش وحيدا دون غياب أو نقص ، كيف أحب الناس دون انتظر رد أو جميل أو مقابل ، علمتني كيف أفكر في اشياء خلف ضوء الشمس وراء عيوني ، الوحدة إدراك بأنك لست وحدك وانما تختار نفسك لأنها هي الوحيدة التى تشبهك وتبقى معاك حتى النهاية .
بقلم طواهري امحمد.
يتبع.