اختراع قذر اسمه صه..يون.بقلم الكاتب عمار الطيب العوني_تونس

 ** اختراع قذر اسمه "صه ..يون"**


في يومٍ تعيسٍ من عمر الكوكب، قرّر أحدهم أن يبتكر شيئًا أسوأ من الطاعون، أقذر من الكوليرا وأقل حياءً من قنبلة نووية في حضانة أطفال.

قال بفمٍ ممتلئ بالكراهية ووعود الخلاص:

– لنصنع كائنًا… وندعوه "صهيون"!

وكان يمكن للعالم أن يواصل انقراضه بهدوء… لولا هذه الفكرة الشيطانية.


"صهيون"، يا سادتي، ليس مدينة ولا جبلاً، بل حالة مستعصية من الغرور المسلح، يرتدي ربطة عنق حين يقصف المدنيين، ويبتسم للكاميرا بينما ينهش لحم طفل تحت أنقاض بيتٍ عائلي.

هو اختراعٌ مثيرٌ للغثيان، كمن يخترع موسيقى تُعزف على أوتار المعى الغليظ.


لقد سبقنا إلى الخراب فلاسفة كثيرون، لكن "صهيون" تفوّق عليهم:

جعل الاحتلال فنًا، وجعل من الإنسانية مادة دسمة لبرامج إعادة التدوير.


تخيّلوا عالماً بلا صهيون...

– أقل عددًا من المؤتمرات العربية الفاشلة،

– أقل حاجة للمقابر الجماعية،

– أقل حيرةً في ترجمة كلمة "نكبة"،

– وربما، فقط ربما، كان الطفل الفلسطيني سيكمل رسمته.


لكن لا بأس…

فالعالم، كما يبدو، يحب اختراعاته الكارثية:

ابتكر "صهيون"، ثم جلس يراقب الدمار، وهو يحتسي قهوته المفلترة بدموع أمهات غزة.


سُجّل في دفاتر براءات الاختراع:

"كائنٌ هجين، يجمع بين براءة الضحية، وغلّ الجلّاد، يُغذّى على المظلومية ويقصف بها الآخرين."


لم يكن بحاجة إلى رحم، فقط إلى مؤتمر.

لم يولد باكيًا كالأطفال، بل ضاحكًا على حسابهم.

وحين استيقظ، طالب بدولة، بخريطة، بمقعد في الأمم المتحدة، و… بحفلة شواء على أطلال قرية اسمها دير ياسين.


كان الكون في مزاج سيء يوم قرر أن يمنحه تصريح مرور.

مرّ من عواصم كثيرة، صافح ملوكًا، قبّل وزراء، تسلّل إلى مناهج التعليم..وجعل من القاتل بطلًا، ومن الطفل المذبوح "خطرًا وجوديًا".

    صهيون، هذا المسخ، لا يمشي على قدمين بل على

– فوبيا أبدية،

– لوبيات مالية،

– وذاكرة مثقوبة يرممها بالأساطير.


إذا تحدث، فبلهجة الضحية.

إذا ضرب، فعيناه دامعتان.

وإن سألته: لمَ دمرت الحيّ على رؤوس ساكنيه؟

أجابك، وهو يتفقد مكياجه:

– لأنني خائف…!


الخائف المسلّح حتى الهوس،

الخائف الذي يرقص على الجثث ليطمئنّ،

الخائف من حجارة، من زيتونة، من وجه أمٍّ فقدت ابنها وتُواصل الطّبخ..

     صهيون لا يحب الأطفال..

يعرف أن طفلاً صغيرًا، قد يرسم يومًا وطنًا بأربعة ألوان،

فيضيع مشروعه القائم على الرماد.

      صهيون يشبه برنامج تجسس، يتسلل إلى دمك،

ثم يسألك لماذا لا تحبّه؟!

      صهيون ليس دولة،

إنه مزاج عالمي منحرف،

يبرر كل القبح باسم البقاء،

ويحرق القرى كي يحمي "نفسه".

     صهيون لا يشيخ..فهو يُحقَن يوميًا بخوفٍ جديد، وبصمتٍ دوليّ متجدد.

     لكن، انتظر…

         صهيون لم يكتفِ.

لم يُرضِه أن يسرق الأرض ويغيّر أسماء القرى،

أراد أكثر.

أراد أن يعلّمنا كيف نبكي،

متى نغضب،

ولمن نمنح صلواتنا.

 أراد أن نعتذر له…

لأننا ما زلنا نرزق أولادًا!

لأن امرأةً فلسطينية تجرؤ على الولادة في كهفٍ لا تصله طائراته.

أراد أن نصدّق أن دباباته تبكي،

أن قنابله ذكية بما يكفي لتفهم معنى الإنسانية.

     صهيون، أيها الاختراع المعطوب…

أيها "الروبوت العاطفي" المزيف،

هل جرّبت أن تقف دقيقة صمت؟

فقط دقيقة، واحدة،

على أنقاض جدارٍ رسمه طفلٌ قبل أن يُقصف.


لكن لا…

أنت لا تقف،

أنت تمدّ ابتسامتك فوق الأنقاض،

كمن يمضغ العلكة فوق مقبرة.


أنت لا تصمت،

أنت تُدوّي، تُقنِع، تُصنِّف،

وتمنح نقاطًا للضحايا:

"هذا مقاوم، هذا إرهابي،

وهذا يمكن أن يُدفن لاحقًا."


سيكون العالم أفضل لو لم تُخترع…

سيكون أقل كذبًا،

أقل تواطؤًا،

أقل حاجة إلى أن يبرّر القاتل أسباب بكائه.

  سيكون العالم...

مجرد عالم لا يحتاج إلى كلمة مرور..

ولا إلى إذنٍ كي يُنقذ طفلًا من تحت الأنقاض.


 _عمّار الطيب العوني _

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال