تحليل وقراءة أدبية بقلم الشاعرة الأديبة غزلان حمدي من تونس
في هذه القصيدة التي كتبها الشاعر الهادي العثماني، تتجلى تجربة وجودية كثيفة، يغلب عليها الحزن والتأمل العميق في الذات والعالم. يبدأ النص بهروب الحبر والمعاني والقصائد، وكأن اللغة نفسها تعجز عن حمل ما يثقل كاهل الشاعر من ألم، فيتحول الجرح النازف إلى صوت صامت يدوّي في فضاء الليل المخيف.
القصيدة تتوسل الاعتراف لا كحقيقة ثابتة، بل كعملية نزف مستمرة، حيث يصير الصمت ذاته معبّراً عن فداحة المواجع. الظروف، بما تحمله من قسوة واستنفار، تحاصر الشاعر وتدفعه إلى حافة الإفصاح، لكنه يعلن عجزه عن أن يكون نبيًا أو صاحب وحي. هذا الاعتراف بالعجز يمنح النص طابعًا إنسانيًا مؤلمًا، يقرّ بأن الألم أكبر من اللغة، وأن المجهول يظل عصيًّا على التنبؤ والاختراق.
يبرز في النص التماهي مع حالات التيه والاغتراب، حيث يشبّه الشاعر نفسه بالقط الأليف الذي يستمرئ الأحلام، ثم بالريح التي تضرب في المتاهات دون وجهة، وخاصة في فصل الخريف، رمز الانكسار والذبول. تتكرر صورة الليل المخيف، ليغدو الليل فضاءً شعريًا كثيفًا يحمل معه خوفًا وجوديًا ورغبة دفينة في الانعتاق أو الفهم.
يؤكد الشاعر في النهاية أنه سيظل في هذا الدرب التائه، حيث لا إجابات بل فقط سعيٌ دائمٌ نحو البوح، وغزوٌ متواصل لمساحات الذات والليل، في محاولة للتماهي مع التيه والبوح والغياب.
قصيدة عميقة النبرة، ذات إيقاع داخلي حزين، تكشف عن شاعر يكتب من منطقة الصدق، حيث اللغة جسر هشّ بين الذات الجريحة والعالم اللامبالي.
كل الشكر للشاعر الهادي العثماني من تونس على هذا النص الذي جمع بين صدق التجربة وجمال التعبير.
مع تحيات رئيس مجلس الادارة غزلان حمدي