قراءة وتحليل نقدي لقصيدة "زهرة" للشاعرة التونسية عائشة ساكري بقلم أ.محمد الصغير الجلالي
قصيدة "زهرة" لعائشة ساكري تمثل نموذجًا متقدّمًا للشعر النسوي المعاصر، يجمع بين القوة الذاتية والعمق الشعوري، ويؤكد قدرة المرأة على تحويل التجربة الشخصية إلى خطاب شعري شامل وملهم. من حيث المعنى، تركز القصيدة على مركزية الذات الأنثوية، حيث تُصوّر الشاعرة المرأة كشخصية مستقلة وفاعلة، قادرة على مواجهة الصعاب وتحويل الألم إلى قوة وإبداع. البداية القوية بـ«اخترتُ نفسي والنفسُ عزيزةٌ» تشكّل إعلانًا صريحًا للوعي الذاتي، وتضع القارئ أمام شخصية واعية بقيمتها، تدافع عن وجودها وحقها في التمكين. مع تقدم النص، تتجلى المرأة كشخصية مؤثرة في محيطها، تتجاوز القيود والتقليدية، كما في البيت: «أنا امرأةٌ تنهضُ الأرضُ حين تمرُّ خطايَ على الطرقات»، ما يعكس البعد الوجودي للمرأة وتأثيرها المباشر في الحياة والمحيط.
على مستوى الأسلوب، تتسم القصيدة بالتصعيد الإيقاعي المدروس من خلال تكرار عبارة «أنا امرأة»، ما يخلق إيقاعًا داخليًا متصاعدًا ويعزز حضور الذات في النص. الاستعارات المستخدمة دقيقة ومركّزة، فهي تحول التجربة الفردية إلى رموز حية، فـ«الزهرة التي لا تنحني في الرياح» ترمز إلى الصمود والقوة المتوازنة بالرقة، و«الصرخة في ليل الوجود» تجسد المقاومة والرفض للانكسار، بينما «الومضة التي تعلو على الجرح» تمثل تحويل الألم إلى أمل وإشراق. استعارات أخرى مثل «الدموع التي صنعت جسورًا» و«الصبر الذي نثر السنابل» تُظهر قدرة المرأة على تحويل التجربة إلى إنتاج وحياة، في حين أن رموز الغناء والضوء والشمس تضيف بعدًا حيويًا يرمز إلى الحرية والتجدد.
اللغة في النص متقنة، مكثفة بالصور الرمزية، متوازنة من حيث الإيقاع الداخلي والتناغم الموسيقي، ما يجعل النص متدفقًا وحيًا، ويخلق تفاعلًا مستمرًا بين المعنى والإيقاع، بين المشاعر والصور. الختام الملحمي بـ«النساء شموس الخلود» يختزل مضمون النص في صورة واحدة تجمع بين الثبات والجمال والخلود الرمزي، ويحوّل القصيدة إلى رسالة عامة للتمكين والكرامة، متجاوزة البعد الفردي إلى البعد الإنساني الشامل.
بهذا المزيج المتقن من المضمون العميق والأسلوب الراقي، الصور الشعرية والإيقاع الداخلي، الرمزية والرسالة الإنسانية، تتحقق في قصيدة "زهرة" أعلى درجات التوازن الفني، لتصبح نصًا مؤثرًا وملهمًا، ومتميّزًا ضمن الشعر النسوي المعاصر، قادرًا على ترك أثر فكري وعاطفي دائم لدى القارئ.
مع تحيات الشاعر والناقد أ.محمد الصغير الجلالي تونس
**زهرة**
بقلمي عائشة_ساكري من_تونس
18 سبتمبر 2025
اخترتُ نفسي والنفسُ عزيزةٌ
أنا زهرةٌ لا تنحني في الرياحْ
أنا صرخةٌ في ليلِ هذا الوجودْ
ومضةٌ تعلو على كلِّ جرحْ
أنا امرأةٌ تنهضُ الأرضُ حينْ
تمُرُّ خطايَ على الطرقاتْ
وولهٌ لا ينطفئْ
أنا بلقيس القصيد
وبوحُ شمسٍ على الكلماتْ
أنا امرأةٌ من دموعي صنعتْ
جسورًا تعانقُ ضوءَ الصباحْ
ومن صبر قلبي نثرتُ السنابلْ
كي يورقَ الحلمُ بين الجراحْ
أنا امرأةٌ لا تُقاسُ بسجنٍ
ولا تُثنِني العاصفاتُ العتيدةْ
أنا صهوةٌ لا يروضُها قيدْ
أنا في دمي أغنيةٌ عنيدةْ
أنا امرأةٌ حين أسري بعزمٍ
أغني لحريّتي في السماءْ
فلا تسألوا من أنا إن بدا جمالي،
فإني حكايا النساءْ
أنا قصةٌ لم تُكتبِ الآنَ بعدْ
أنا قوةٌ تنحتُ الدربَ ضوءًا جديدا
أنا أنشودةٌ للكرامةِ تمضي
أنا شمسُ صبحٍ على العمر عيدا
سأبقى أنا رغم كل القيودْ
أقاومُ بالعزمِ دربَ الحديدْ
وأكتبُ في ليلِ هذا الوجودْ
بأن النساءَ شموسُ الخلودْ