بقلم الأستاذة الشاعرة فداء بن عرفة
ليث... أسطورة الحرية
ليس كل الرجال سواء، فبعضهم يولد ليكون قصيدة تُكتب بمداد العز، وتُقرأ بأنفاس الأحرار.
ليث لم يكن رجلاً عاديًا، كان رمزًا للوطنية والكرامة، كالسيف لا يعرف اللين إلا في حضن الوطن، وكالنخلة لا تنحني إلا لخالقها.
حين سُجن، لم يُسجن معه الحلم، بل أطلق سراح أحلامه لتحلّق فوق أسوار الزنزانة، حاملة عبق الحرية لكل من ظنّ أن الأغلال تقتل الأمل.
في عينيه بحران: بحر من صبر الشرفاء، وبحر من عزم الأبطال.
كان إذا صمت، تحدّث الكبرياء بلسانه، وإذا تكلم، علّم الحجارة معنى الكرامة.
لم يخن الوطن لحظة، وظل قلبه ينبض "تونس... تونس" حتى وهو بين جدران تسمع همس الأعداء.
وحين أُطلق سراحه، لم يخرج كمن ودّع السجن، بل خرج كمن ودّع مدرسةً تخرّج فيها الأبطال.
حمل معه مبادئ لا تُهزم، وإرادة لا تُكسر، وكرامة كانت أقوى من الحديد.
ليث... أنت النصر الذي لم تُروَ حكايته بعد، والأسطورة التي ستُروى للأحفاد.
عشت حرًّا رغم الأغلال، وكنت النور في عتمة الليالي، والصوت الذي لم يخفت رغم جدران الصمت.
كنت كالصخر تهزّه العواصف ليصبح تمثالًا للصمود، وكنارٍ تزداد توهّجًا كلّما حاولت الرياح إخمادها، وكالنسر الذي يعلّم الصغار أن التحليق لا يكون بحجم الجناحين، بل بقوة الإرادة.
في زنزانتك زرعت الأمل في قلوب الرفاق، وحوّلت الظلمة إلى منابر للحرية، والصمت إلى أناشيد للثوار.
كانت كلماتك رصاصًا يخترق قلوب الأعداء، ونظراتك سيوفًا تمزّق أقنعة الطغاة.
لم تكن أسيرًا بل كنت حرًّا يسكن الجسد الأسير، ولم تكن سجينًا بل معلّمًا في مدرسة الكرامة.
علّمتنا أن القيد قد يُسجن الجسد، لكنه لا يستطيع أن يسجن الروح، وأن الحرية ليست مكانًا نعيش فيه، بل مبدأً نموت لأجله.
ستبقى سيرتك نبراسًا يضيء درب كل من يحلم بالحرية، وسيظل اسمك محفورًا في ذاكرة الوطن، أغلى من الذهب، وأبقى من الدهر.
يا ليث، أنت الفصل الأجمل في ملحمة النضال، والبطل الذي حوّل السجن إلى منصة انطلاق، والألم إلى سلاح، والظلم إلى سبب للانتصار.