في العالم الاخر .بقلم الأستاذ معز ماني

 في العالم الآخر ...

في يوم لم يعد للزمن ظلّ

ولم يبق في الساعات غير 

رماد يزحف من فم الشمس

اقتربت كأنها تنادي المذنبين بأسمائهم

تسألهم هل اشتقتم إلى الحقيقة ؟

فيجيـب الصمت وحده

وكلّ قلب يرتجف كطبل 

قارع في عرس الندم ..

ها قد نودي فلان بن فلان

فتنشقّ الأرض تحت قدميه 

احتراما لموعد الخوف ..

الكلّ ينظر أمامه

لا وساطة اليوم ولا محسوبيّة

ولا مخرج جانبيّ من عدالة 

أزلية لا تصاب بالملل ..

سجلات تمتدّ حتى آخر ما ترى العين

صفحات تتسابق ككائنات حية من نور ونار

تحدّثك عمّا ظننته نسيانا

وما ظننت أنه خبّئ بينك وبين نفسك

حتى الأفكار التي مرّت خاطفة كدخان

تحضر لتشهد ضدّك 

بوجه بارد وصوت يعرف نبرتك ..

وعلى الحافة هناك صراط أدقّ من فكرة

يمتدّ بين الجنّة والنار كخيط توازن فلسفيّ عميق

تمشي عليه كأنك تمشي على أعصابك المكشوفة

وكلّ نظرة نحو الأسفل تريك ذنوبك تتلوّى وتضحك ..

في العالم الآخر لا منطقة رمادية

فإمّا جنة كتبت بلغة لا تفهمها

أو نار تعرفك أكثر ممّا تعرف نفسك

والاثنان ينتظرانك بلا عجلة

فكلاهما على يقين أنّك ستأتي ..

تتذكّر حين كنت تقول أنا حرّ في اختياري

ها أنت الآن تختار الصمت لأن الكلام تهمة

تتذكّر حين قلت الدنيا فانية

وكنت تسمع دائما حيّ على الفلاح

فتضحك النار بلهيب يشبه التصفيق

وتهمس الجنة لقد فهم متأخرا جدّا ..

لا صديق هنا لا قريب لا حزب ينفعك

وكلّ نفس تقول نفسي نفسي

كأنّ الرحمة انتحرت من فرط الخوف ..

أمّا أنت ..

فتقف أمام الحقيقة المطلقة لأوّل مرّة

وجهها بلا ملامح

وصوتها يشبهك

تسألك ..

هل نصرت إخوانك ؟

هل صدقت في ادّعائك الإيمان ؟

هل أحببت الله أم أحببت الدينار؟

فتصمت ..

ويضحك العالم الآخر في وجهك

ضحكة طويلة ساخرة

كأنّ الوجود نفسه يسخر من تجربة الإنسان

الذي عاش كلّ حياته يبحث عن الحقيقة

وحين وجدها.. لم يتحمّل النظر إليها ...


                                   بقلم : معز ماني . تونس .

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال