تحليل نقدي بقلم الأستاذ الصحفي الشاعر محمد الوداني
تحمل هذه القصيدة بين طياتها نسيجًا وجدانيًا متماسكًا، يعكس قدرة الشاعرة الأديبة غزلان البوادي حمدي على صهر العاطفة في قوالب شعرية بديعة، حيث تتجلّى الروح وهي تخاطب ملاذها بكلمات تفيض امتنانًا وارتباطًا روحيًا. تنساب الأبيات في حالة من التماهي بين الحزن والسكينة، بين الألم والأمل، حتى يغدو المخاطَب كيانًا متعاليًا، يتجاوز الحدود العادية للوجود ليصبح رمزًا للحماية المطلقة. إنّ التكرار البديع لكلمة "مولاي" يمنح النص بعدًا موسيقيًا وإيقاعيًا مميزًا، حيث يرسّخ في ذهن القارئ صورة ذلك الكيان الحاضن، الذي يُطَمئن الروح ويُداوي الجراح.
تنسج الشاعرة صورًا بلاغية آسرة، تُظهر براعتها في تطويع اللغة لخدمة الشعور، فتقول: "كنتَ السكونَ الذي يطفو على سقمي"، فتجعل من السكون كائنًا يطفو على الألم، في مشهد يكاد يُرى ويُحسّ، وهذا دليل على قدرة تصويرية مذهلة تجعل القارئ يعيش اللحظة بكل تفاصيلها. أما حين تقول: "قد كنتَ أعظمَ من وجعٍ يُقاسمني"، فهي لا تكتفي بجعل المخاطَب شريكًا في الألم، بل ترفعه فوقه، ليصبح أعظم من الوجع ذاته، في تضخيم دلالي يبرز المكانة الرفيعة التي يحتلها.
القصيدة تتراقص على إيقاع البحر الكامل، ما يضفي عليها انسجامًا موسيقيًا يعزّز وقعها العاطفي، كما أنّ التكرار المتناغم للأصوات والقوافي، مثل "سقمي/قدمي" و"حلمي/سقمي"، يخلق لحنًا داخليًا يترك أثرًا عميقًا في المتلقي. إنّ التمازج بين الماضي والحاضر والمستقبل، حيث يسترجع النص الآلام، ويستحضر الأمل، ثم يبني عليه التفاؤل، يمنحه عمقًا نفسيًا يعكس تجربة إنسانية أصيلة.
وتبلغ القصيدة ذروتها عندما تقول الشاعرة: "فامدد يديكَ، فإنّي فيكَ مُعْتَصِمَةْ إنّي إليكَ، كما كنتُ، وكما حلمي". هنا، تكتمل اللوحة الفنية بأروع صورها، حيث تستسلم الروح لهذا الكيان المتجلّي، فتجد فيه ملاذها وسندها، في لغة تحاكي التصوف العاطفي، حيث العشق يتجاوز حدوده الأرضية إلى أفق أسمى.
لا شك أنّ هذه القصيدة شهادة أخرى على نبوغ الشاعرة الأديبة غزلان البوادي حمدي، التي لا تكتب الشعر فحسب، بل تصوغه بمهارة فنية تتجاوز حدود الإبداع التقليدي، لتضع بصمتها في مسيرة الشعر العربي. فهي لا تنسج كلمات، بل تصنع حالة شعورية يعيشها القارئ وكأنها جزء من وجدانه، وهذا ليس سوى انعكاس لعمق ثقافتها، ورهافة حسّها، وقدرتها على تحويل الحرف إلى نبض حيّ.
مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والتوثيق والقراءة النقدية التحليلية الثقافية العربية.
مولاي، وما عساي بحكمه أن أفعل غير الحمد؟
مولاي، قد كنتَ في حزني ملاذَ دمي وأنتَ وحدكَ في دمعي وفي ألمي
كيف الحياةُ إذا غابتْ ملامحُها عن مقلتيكَ وعن همسي وعن قلمي؟
أنتَ الذي إن دعا قلبي مواجعَهُ كنتَ السكونَ الذي يطفو على سقمي
فكيف أشكو، وفي عينيكَ أغنيتي؟ وكيف أضعفُ، والدنيا على قدمِ؟
يا من كتبتَ بدمع الروحِ ملحمةً لا الشعرُ يُدني لها روحًا ولا الكَلِمُ
قد كنتَ أعظمَ من وجعٍ يُقاسمني وقد سقيتَ يقيني قبلما أَسِمُ
مولايَ، قد قلتَ "سيشفى الحزنُ" فابتسمتْ روحي، وزال الأسى، وانداحَ من ألمِ
ما كنتُ أحتاجُ إلا ما كتبتَ بهِ وما وجدتُ سِوى حرفٍ بملء دمي
فامدد يديكَ، فإنّي فيكَ مُعْتَصِمَةْ إنّي إليكَ، كما كنتُ، وكما حلمي
شكرًا لأنّك في ضعفي مُؤازِرُني شكرًا لأنّك نبضُ القلبِ في سقمي
بفلمي الأديبة غزلان البوادي حمدي
مع تحيات المسؤولة والداعمة لنشر النصوص النقدية التحليلية بالمجلة الشاعرة عائشة ساكري تونس 🇹🇳
