تحليل نقدي بقلم الأستاذ الصحفي الشاعر محمد الوداني

 تعالج القصيدة موضوع الشهامة والوفاء في مواجهة الظلم والخيانة، إذ تصوّر لحظة مأساوية يتعرض فيها شيخ مسن للظلم والغدر، مما يثير في الشاعر إحساسًا بالغيظ والأسى. لكن بدلاً من الاستسلام للمشاعر السلبية، يتخذ موقفًا نبيلًا يتجسد في وعد بردّ الاعتبار لهذا الشيخ والدفاع عن كرامته، مما يعكس موقفًا أخلاقيًا راقيًا.


يتصاعد التوتر الدرامي في القصيدة بدءًا من المشهد الأول (الشيخ المكسور وصوت الظلم) حتى ذروة التأزم (المواجهة بالرسالة الغاضبة)، ثم تنتهي القصيدة بلحظة انتصار رمزية تُجسّد انتصار الشهامة والعهد في زمن الخذلان.


تتميز لغة القصيدة بالقوة والتكثيف الدلالي، حيث تعتمد على مفردات ذات شحنة عاطفية عالية مثل "مكسورًا"، "يَشْجُر"، "غدرًا"، "لهيبًا"، "هوانِ"، مما يعكس مأساوية المشهد. أما الصور الشعرية، فتبرز بوضوح في:


1. "رأيتُ الشيخَ مكسورًا يُعاني وصوتُ الظلمِ يَشْجُرُ في الكيانِ"


هنا صورة سمعية وبصرية تجمع بين الألم النفسي والجسدي، حيث يُشبه صوت الظلم بشيء يخترق الوجود، مما يعكس قسوته.


2. "فقامَ الغيظُ في صدري لهيبًا وسالَ الحزنُ من عيني كيانِي"


التصوير هنا يجسد الانفعال النفسي للشاعر، حيث يتحول الغيظ إلى لهيب متقد، والحزن إلى سيل يجتاح الوجود، في استعارتين قويتين.


تعتمد القصيدة على البحر الكامل، وهو بحر يتناسب مع الأغراض الشعرية التي تتطلب تدفقًا عاطفيًا وإيقاعًا حماسيًا، وهو هنا يضفي على النص إيقاعًا قويًا يتماشى مع الموضوع. أما القافية (الراء المكسورة مع النون اليائية)، فهي توحي بالحزن والتأمل العميق، مما يتناسب مع طبيعة الموضوع.


تطرح القصيدة قيمًا إنسانية مهمة مثل: إدانة الظلم والغدر، حيث يُصوَّر المعتدي على الشيخ كشخص عديم المروءة، والشهامة والوفاء بالوعد، حيث يتخذ الشاعر موقفًا نبيلًا بالدفاع عن الشيخ، إضافة إلى الإيمان بأن الحق لا يمحوه الزمان، مما يعزز فكرة أن العدالة ستنتصر حتى لو تأخرت.


يعتمد النص على الخطاب المباشر في الرسالة التي يوجهها الظالم، وهو ما يمنح النص بُعدًا خطابيًا مؤثرًا. كما يعتمد على التدرج الدرامي من المشهد الأول (الشيخ المظلوم)، إلى رد الفعل (الغضب والقرار)، ثم المواجهة (الرسالة)، وصولًا إلى النهاية التي تمجد الوفاء والشهامة.


"وعد الشهامة" نص شعري مميز يجمع بين الطرح الإنساني العميق والأسلوب الفني الراقي، إذ يعكس رؤية الشاعر للعزّة والكرامة في مواجهة الظلم، مما يجعله نصًا ذا بُعد فلسفي وأخلاقي قوي.


مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والتوثيق والقراءة النقدية التحليلية الثقافية العربية.


وعد الشهامة


رأيتُ الشيخَ مكسورًا يُعاني وصوتُ الظلمِ يَشْجُرُ في الكيانِ

صفعْتَهُ يا عديمَ الوجدِ غدرًا كأنّ الشيخَ من طينٍ وهانِ


فقامَ الغيظُ في صدري لهيبًا وسالَ الحزنُ من عيني كيانِي

أهذا العزُّ؟ أينَ الناسُ مِنْهُ؟ كأنّ الكلَّ في نومٍ جبانِ


دنوتُ إليهِ، كفّي في يديه وقلتُ: العهدُ يشهدُ والمكانِ

أعُمِّرُ بيتَ ربي منكَ عُذرًا وأفتَدِي الثأرَ، لا يبقى هوانِ


كتبتُ إلى الذي أوجعْتُ قلبي رسالةَ حُرِّ غاضبٍ حَزَانِ

"ظلمتَ الشيخَ، لكنْ لا تظنَّ **بأنّ الحقَّ يَمحوهُ الزمانِ!"


فيا ابنَ العزِّ يا حرًّا أبيًّا وفيتَ العهدَ في زمنِ الخَذَلانِ

لكَ الدعواتُ تَرقى للمعالي وفيكَ المجدُ يسمو للأمانِ


بقلمي الأديبة الشاعرة غزلان حمدي


مع تحيات المسؤولة والداعمة لنشر النصوص النقدية التحليلية بالمجلة الشاعرة عائشة ساكري تونس 🇹🇳

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال