قافلةُ المنايا للشاعر القدير عزيز بلغازي زناتي

 قافلةُ المنايا تسيرُ لا تتوقّفُ

عزيز بلغازي زناتي 

قافلةُ المنايا تسيرُ بلا رجوعِ *** تَسري كَسيلٍ في الظلامِ مريعِ

لا شيء يَحجُبُها، ولا أملٌ بها *** تأتي وتَختَطِفُ القلوبَ سَريعِ

تمضي وتأخذُ من يُحبُّ القلبُ *** لا ترحمُ الطِفلَ الرضيعَ الوَديعِ

تَتركُ أماً في الدجى تبكي *** وتُسْنِدُ رأسَها فوقَ قبرٍ وضيعِ

هذا أبي، كانَ الضياءَ بِدَربي *** كانَ الحنينَ إلى الحياةِ المُطيعِ

أمسكَتْ يداهُ يدي صبياً فَما *** زلتُ أشعرُ بدفئِه المُضِيعِ

ناديتُهُ حينَ الوداعِ لِعلّهُ *** يُصغي! لعلّ الروحَ غيرُ قَطيعِ

لكنّهُ نامَ العميقَ ولم يَعُدْ *** والصمتُ خلفَ الكفنِ باتَ شنيعِ

يا موتُ، كيفَ خَطَفْتَ صوتَ أحبّتي؟ *** كيفَ اختفوا؟ أَينَ الضياءُ اللميعِ؟

أخذتَ أخي، أمّي، وخِلِّي، وصُحبتي *** وتركتَني وحدي كظلٍّ صَنيعِ

لا بيتَ بعدَهُمُ، ولا دفءٌ هنا *** لا شيءَ إلا صمتُ قبرٍ فَظيعِ

قد كُنتُ أفتحُ بابَهم مُستَبشِراً *** واليومَ أفتحُ قبرَهم بدموعِ

أتلمّسُ الأحجارَ فوقَ جِباهِهمْ *** وكأنّني أمضي بِدربٍ وَجيعِ

هذا الترابُ يَضُمُّ كلَّ حَكايةٍ *** عَن أوجهٍ كانت تُضيءُ الجميعِ

كم مرةٍ ناديْتُهمْ، وبكيتُهمْ *** وتَمَزَّقَ القلبُ الحزينُ الصَّديعِ؟

لكنهمْ رحلوا بِلا أَثَرٍ سوى *** ذِكرى تُعذّبُني، ونَبضٌ مُريعِ

يا قبرُ، مهلاً! إنّ فيكَ أحبّتي *** هل ضَمَّكَ الأمواتُ أمْ ضاقَ فَضيعِ؟

إنّي أتيتُ أُحدّثُ الحجرَ الذي *** قد صارَ أنفَسَ من قلوبِ الجميعِ

يا ليلُ، كم حملتَ من دمعي؟ وكم *** أوجَعتَ قلبي بالغيابِ الفَظيعِ؟

يا صبحُ، لا تأتِ، فإنّ ضيائَكُم *** قد غابَ، ما جدوى الصباحِ الطَّليعِ؟

قافلةُ الموتِ اللعينةُ لم تزلْ *** تأخذُ، ولم تدَعِ الحزينَ الوَلوعِ

كم من عزيزٍ بعدهمْ سأُشيِّعُ؟ *** كم من وجوهٍ في التُّرابِ تُضيعِ؟

يا ربِّ، إنَّ الروحَ ضاقتْ بالبُكا *** والرُوحُ صارتْ في الدُجى كالقَطيعِ

فامنحْ لقلبِي صَبرَهُ، أو خُذْ يدي *** حيثُ الأحِبَّةُ في الجِنانِ تَريعِ

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال