اخر زهرة الشاعر محمد الصغير.

 ٱخر زهرة


شعر : أ. محمد الصغبر الجلالي 


  أَنَا الصَّوْتُ الَّذِي يُتَهَجَّى فِي العُيُونِ

    أَنَا الغِيَابُ الَّذِي لَا يَرْحَمُ

وأَنْتِ، آخِرُ زَهْرَةٍ فِي حَدِيقَةِ اللَّيْلِ


أمسكيني كَمَا تُمْسِكُ الأَرْضُ ضَوْءَهَا

  دَعِينِي أَغْرَقُ فِي خَيَالِكِ

    حَيْثُ لَا أَسْئِلَةَ، لَا نِهَايَةَ

حَيْثُ تَتَنَفَّسُ الكَلِمَاتُ بِصَمْتٍ


أَنَا الرُّكَامُ الَّذِي يُصْبِحُ نَغْمَةً

  أَنَا الصَّمْتُ الَّذِي يَجْرَحُ، يَضْوِي، يَشْتَعِلُ

    كُلُّ شَيْءٍ عَنْكِ يَبْتَلِعُ اللَّيْلَ

وَيَمْحُو الأَسْمَاءَ، وَالوُجُوهَ، وَالطُّرُقَ


أَرَاكِ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَا يُرَى

  فِي رَذَاذِ المَطَرِ فَوْقَ الأَرْصِفَةِ

    فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ لَا تخاف الرِّيحَ

فِي الدَّهْشَةِ الَّتِي تَنْبُتُ مِنَ الصَّمْتِ


أَنَا الحَنِينُ الَّذِي يَنْهَارُ 

  أَقْطَعُ طُرُقًا لَا تَعْرِفُنِي

    وَأَنْتِ البُوصْلَةُ، النُّقْطَةُ، الفَرَاغُ

الَّذِي يُعِيدُنِي إِلَى نَفْسِي كُلَّ مَرَّةٍ


أَحْمِلُ فِي كَفِّي أَلْوَانَ الضِّيَاعِ

  وَأَزْرَعُهَا فَوْقَ أَهْدَابِكِ

    لِأَرَى العَالَمَ يَخْتَفِي فِي عَيْنَيْكِ

كَمَا يَخْتَفِي اللَّيْلُ حِينَ يُولَدُ الفَجْرُ


أَصْوَاتُ الغِيَابِ تُعَانِقُنِي

  فَتَتَرَاءَى كَأَنَّهَا مَرَايَا  

    كُلُّ خَطَأٍ وَكُلُّ فَرَحٍ وَكُلُّ سُقُوطٍ

يَتَجَمَّعُ فِيكِ كَأَنَّهُ البِدَايَةُ وَالخِتَامُ


أَنَا الَّذِي لَا يَجِدُ بَيْتًا بَيْنَ الكَلِمَاتِ

  أَجْلِسُ عَلَى أَطْرَافِ الصَّمْتِ

    أَسْتَمِعُ إِلَى تَسَاقُطِ الظِّلَالِ

وَأَرَاكِ تَتَحَرَّكِينَ بَيْنَ الدَّهْشَةِ وَاللَّا شَيْءِ


أَنَا الحَرْفُ الَّذِي يَرْفُضُ الانْحِنَاءَ

  أَنَا الخَوْفُ الَّذِي يُصْبِحُ شُعَاعًا

    أُرِيدُكِ أَنْ تَكُونِي الرِّيحَ وَالسَّمَاءَ

وَأَنَا الطَّرِيقُ الَّذِي لَا يَصِلُ إِلَى أَحَدٍ


أَسْتَرِقُ النَّظَرَ إِلَى رُوحِكِ حِينَ تَغَادِرِينَ

  أُتَابِعُ خُطَاكِ عَلَى صَفَحَاتِ الغِيَابِ

    وَأَبْنِي مِنْ كُلِّ خُطْوَةٍ بُرْجًا مِن صَمْتٍ

أَقْفِزُ مِن فَوْقِهِ إِلَى حُلْمٍ لَا يَتَحَقَّقُ


أَصْنَعُ مِنْكِ نُبُوءَةً كُلَّ صَبَاحٍ

  أَرْسُمُكِ فِي ضَوْءِ القَمَرِ، فِي خَفَقَةِ الطَّيْرِ

    أُعِيدُ اكْتِشَافَكِ فِي كُلِّ حَرْفٍ ضَائِعٍ

كَمَا لَوْ أَنَّنِي أَقْرَأُكِ لِلْمَرَّةِ الأُولَى


أَنَا المَاءُ الَّذِي يَرْفُضُ السُّكُونَ

  أَنَا اللَّيْلُ الَّذِي يَسْكُنُهُ صَوْتُكِ

    كُلُّ شَيْءٍ عَنْكِ يُهَدِّنِي

ثُمَّ يُعِيدُنِي إِلَى عَرْشِ الدَّهْشَةِ


كُلُّ لَحْظَةٍ مَعَكِ هِيَ البِدَايَةُ وَالخِتَامُ

  كُلُّ دَمْعَةٍ هِيَ مَطَرٌ عَلَى صَحْرَاءِ قَلْبِي

    كُلُّ ابْتِسَامَةٍ مِنْكِ تُذِيبُ الجَلِيدَ

وَتَصْنَعُ زَهْرَةً فِي وَسْطِ الخَرَابِ


أَنَا الَّذِي يَكْتُبُ عَنْكِ بِلَا تَوَقُّفٍ

  أَنْتِ الدَّهْشَةُ الَّتِي لَمْ تُسَرَّدْ بَعْدُ

    وَأَنَا الحَرْفُ الَّذِي يَمُوتُ كَيْ يُولَدَ


أَنَا الرِّيحُ حِينَ تَهُبُّ بِلَا سَبَبٍ

  أَنَا اللَّيْلُ حِينَ يُغْلِقُ عَيْنَيْهِ عَلَى ضوئك

    أَنَا السِّرُّ الَّذِي يَخْتَبِئُ فِي قَلْبِ الوُجُودِ

وأَنْتِ الوَهَجُ الَّذِي يَجْعَلُ كُلَّ شَيْءٍ يَنْبَضُ


أَنَا اللَّامَكَانُ

  وأَنْتِ الوُجُودُ الكَامِلُ

    أَنَا الغِيَابُ

وأَنْتِ اللِّقَاءُ الَّذِي يَمْلَأُ الفَرَاغَ


تونس 23 - 8 - 2025

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال