كلام النّاس ...
دخلت المدينة .. وإذا بالهواء مليء بالكلمات
ألسنة تتحرك كالحشرات في جدران البيوت
تهمس بالمديح فتترك طعمه مرّا
تصرخ بالذم فتثقب قلب المستمع
الجار يبيع الغيبة بسعر زهيد
والصديق يلوّح بالإخلاص كالعلم الممزق
حتى الأطفال تعلموا التظاهر
كأن البراءة سلعة في المزاد الكبير ..
في المقاهي والمطاعم المزاد قائم
المديح يزاحم الذم على الطاولات
الوعود تباع نصف ثمن
والحقائق مختبئة تحت كومة من الرياء
كل همسة عبء كل نصيحة فخ
والضحكات تتدحرج على الأرصفة
كأن المدينة كلها مسرحية سوداء
والسكون الأخير ملك للأقوال المسمومة ..
كلمات الناس تتحول إلى وحوش
تتسلل في الليل إلى غرف النوم
تبتلع البراءة والراحة
وتتركنا محملين بالشكوك والكوابيس
المديح يختبئ وراء أقنعة
والذم يهاجم كالرياح العاتية
حتى الأصدقاء أحيانا يصبحون تجارا
يبيعون الثقة بثمن بخس
المدينة تتلوى تحت وطأة الكلام
كجسد مريض يئن من ضغوط اللسان
نحاول الهرب لكن كل زاوية
تحمل رسالة مسمومة كل باب صرخ
الناس يمشون مبتسمين كأنهم سالمون
لكن داخل كل قلب يختبئ سمّ
كل كلمة عبء كل همسة حجر
وكل نصيحة سلاح مخفي ..
في الليل يجلس الواحد وحده
ينظر إلى الفراغ يراقب الوحوش
المدينة صامتة لكن الأرواح تسمع
همسات السم والكذب تتردد بلا نهاية
نبتسم على مضض نختبئ خلف الأقنعة
ونعرف أن الغد سيعيد نفس المزاد
كأن المجتمع كله مسرحية سوداء
ونحن الممثلون والكلمات الوحوش
والضحكة الأخيرة لنا ..
لكن تحت ضغط السم ...
بقلم : معز ماني .