تحليل وقراءة أدبية بقلم الشاعرة الأديبة غزلان حمدي من تونس
قصيدة "الزمان" للشاعر التونسي معز ماني عمل شعري يفيض إحساساً ودفئاً، يتراءى فيه الشعر ككائن حيّ يتنفس من بين الحروف ويعبّر عن عمق التجربة الإنسانية بكل ما تحمله من شوق وصمت وأمل وحنين. يفتتح الشاعر نصه بمشهد لغوي مفعم بالرمزية، حيث “يزهر الكلام” ليكسر جمود المكان، فيتحول اللفظ ذاته إلى كائن مضيء يبعث الحياة في الزمان والمكان معاً، في توليفة جمالية تنقلنا من السكون إلى الانبعاث.
يستعيد الشاعر من خلال الصور المتتابعة تجربة الشوق بعد الغياب، والحنين بعد الهجر، فينقل القارئ إلى عالم من المشاعر التي تتأرجح بين وجع الفقد وجمال التعبير. يتجلى في النص صوت داخلي صادق، يسعى لترجمة ما يعجز اللسان عن قوله، كأنما اللغة نفسها تضيق عن احتواء فيض الإحساس، فيلجأ الشاعر إلى ما وراء الحروف، إلى عوالم الخيال والحدس، حيث الكلمة تتجاوز معناها لتصبح ومضة وجدانية.
تتألق القصيدة بتمازج العاطفة والفكر، فكل بيت فيها ينسج علاقة حميمية بين الجمال والحقيقة، بين الواقع والحلم. يستخدم معز ماني لغة شفافة وراقية، يغلب عليها الصفاء والنقاء، فيصور الحروف ككائنات تبحر في عوالم السحر والأنغام، تتلاقى عند ضفة "العذراء" لتستقصي البيان بين النجوم. هنا تتجلى براعة الشاعر في تصوير الحب كقوة كونية تجمع بين الروح والطبيعة، بين المرجان والخيال، بين العشق والحنان.
وفي المقاطع الأخيرة، يبلغ النص ذروة الصدق والعاطفة حين يختزل الشاعر تجربته في اعتراف رقيق: "أنا في حاجة إليك توقان"، ليجعل من العشق حالة وجودية تتجاوز اللفظ إلى الإحساس، ومن النظرات لغة أصدق من الكلام. فالعين عنده ليست مجرد أداة رؤية، بل نافذة للروح، تكشف ما تخفيه الكلمات وتفضح صمت الزمان ذاته.
إنّ قصيدة "الزمان" هي أنشودة روح شفافة تكتب الشعر بصدق الإحساس ونبل المعنى. فيها نرى معز ماني شاعراً يملك ناصية اللغة، يطوّعها لتغدو مرآةً للمشاعر العميقة، ويزرع في القارئ إحساساً بالجمال الإنساني الخالص. له من التقدير والشكر أسمى العبارات، ومن الإعجاب أصدق التحية، على هذا النص البهي الذي يحلّق بالكلمة إلى أفقٍ من النقاء والخلود.
مع تحيات رئيس مجلس الادارة غزلان حمدي