"مِـن دونِ الـتّـنـاقُـض لا وُجـود، و مِـن دونِ الـصّـراع لا وَعي."
✧ـــــــــــــــــــــــ✦ ✧ ✦ـــــــــــــــــــــــ✧
"هُنالك خَطأٌ مـا في هذا العالَـم...!!"
مُنذُ أن وُلِد الإنسان، وُضِع أمامَه كتابٌ لم يُكتَب بعد، وكلٌّ منّا يحمِل قَلَمه لِيرسُم سـطره فيه.
لم يكن المَجد يوماً حكراً على المُنتصرين، ولا الهزيمة وصمةً على الخاسـرين، لأنّ الشّـرف لم يكن في النّتيجة، بَل في المُحاولة.
مَن سـار على رِمال التّجرِبة وجرّب أن يكون، حتّى لو تعثّر وسَـقط، قد كُتِبَ اسمه في متن الوُجود، بينما الّذي لم يُجرّب، لم يُحاول، بقي حِبراً باهتاً على الهامِش...هامِش الحياة.
في عصورٍ مَضت، كان المُحارب يعرف أن السّـيف ليسَ كُلّ القتال، و أن الفكر قد يفتح جبهةً أوسَع منَ الحربِ ذاتها.
كان سـقراط يُحارِب الجهل بالكَلِمة، و بوذا يُحارِب الألم بالوعي، و الحلاج حارب ذاته حتّى صُلِب على فكرته، و المُتنبي قاتل بعقله حتّى صار لساناً للعصور.
كلُّ واحدٍ مِنهُم خاضَ حرباً بطريقته، هذا بالسّؤال، و ذاكَ بالتّأمّل، و الآخر بالحبّ، و الرّابِع بالكلمة.
لكنّهم جميعاً اشـتركوا في شَرَفِ التّجرِبة،
في رفضهم أن يعيشوا على هامِش القَطيع،
فماتوا أحراراً، و بقوا خالِدينَ في صمت هذا الكـتاب العظيم الّذي اسمه الإنسان.
أما اليوم...
فَقَد صارَ الخوف موروثاً، نُغذّيه في صدور أطفالِنا كما نغذّيهم بالحليب.
أصبَحنا نعلّم أبناءنا أن يَسيروا خلف القطيع لا أمامه، أن يبتعدوا عن الحلم خِشيةَ الفشل، و أن يعيشوا على الهامش باسم “السّـلامـة".
صرنا نُخيفُهم من المحاولة أكثر مما نخافُ عليهم من الموت، و نزرع فيهم “التّبعية” كأنّها فضيلة.
فنحن، في جوهَرِنا، لم نَعد نربّي أحراراً بل ناجين مؤقّتين، لم نعلّم أبناءنا أن يكونوا أسطُراً في الكتاب، بل شروحاً هامشـية لسطور الآخرين.
و ها هو الجيل الجديد...!!
يظنّ البطولة في الصّخب، و الحريّة في الفوضى، و الوُجود في "المظهر".
جيلٌ يُريد أن يُرى، لا أن يكون، جيلٌ يهرب من ذاته، يختبئ خلف الشّاشات، و لا يعلم أن من لا يملك معنىً في داخِله، لن يترك أثراً خارِجَه.
الحياة...
لم تُخلق لِتكون عادِلة، بَل لِتكون ميداناً يختبر فينا جوهرنا الحقيقي.
إنّها الأساس الّذي يقوم على التّناقُضات،
فلا معنى للنّور من دون ظلام، و لا قيمة للشجاعة إن لم يوجد الخوف، و لا طُهر في الإنسان إن لم يُغوِه الشّـرّ.
كلّما اشتدّ التناقُض اشـتدّ التوازن، و كلّما احتُدِم الصّراع اقتربنا من جوهَر الاستقرار.
فالحياةُ لا تَسكن إلاّ في حركة الأضّداد، و لا تنمو إلاّ من احتكاك الألم بالمعنى.
من دخلها بلا درع المُحاولة، بلا شَـرف الإنسان، صار ظلاًّ في ظلالِ الآخرين.
إنَّ الهامِش لم يُخلق إلاّ للتوضيح، أما الأسـطُر فهي للمجربين، للّذين آمنوا أنّ الإنسان لا يُقاس بسلامته، بَل بآثاره على ركام المحاولة.
فَكُن أنتَ السّطر، و لو في صفحةٍ يقرؤها النّسيان، ولا تكن الحاشية الّتي تشرَحُ جرأة غيرها، فالكتاب لا يُخلّد من عاش على الهامِش...
بَـل مَـن حـارَب لِـيَـكـتـب نَـفـسَـهُ فـيـه.
الكاتِب و الشّاعر زاهِر دَرويش
#زاهر_درويش #فيديريكو #الحياة #الانسان #التأملات #فلسفة #الوجود #التناقض #الحقيقة #الصمت #الضوء #النور #الوعي #سقراط #المتنبي #الحلاج #خواطر #اقتباسات #أدب