هكذا كانت أمّي عندما أدركتها في قمة عنفوانها
رغم شظف العيش كانت لا تمتّ لأيام الجوع و الفقر بأي صلة ، شامخة ، أنيقة ، عفيفة ، جميلة الطّلة و ليست ككلّ النساء .
و أنا صبيّ في الرابعة من عمري ، كانت تسافر بكرةً و عند إقتراب موعد رجوعها في المساء ، أترك أترابي و جميع أنواع اللعب التي كانت بأيدينا ثم أهروِلُ إلى( قنطرة الوزينة ) بأم العرائس و أنتظرها هناك في شوق يختزل جميع أشواق القلوب ، و عبرات العيون تنهمر ساخنة تحرق وجنتيّ الصغيرتين ، و بعد طول إنتظار تلوح لي من بعيد طيفها الملائكي ، فأمسح دمعاتي و أنطلق مسرورا في قمة السعادة ، إلى أن أصل إليها و أفتح ذراعي لتحضنني و لكن ... تقوم بتغطية وجهها - بالسفساري - و تمرّ أمامي دون أن تلتفت إليّ و تواصل طريقها ، فأبقى واقفا في حيرة من أمري و تحتبس الكلمات في حلقي و يتوقف نبضي ، و تكمل طريقها خطوات خطوات لا تلتفت ، و يدبّ اليأس إلى قلبي ... و في قمّة الجزع أُحاول طرد جميع الشكوك التي تسرّبت في فكري .. و بلوعة الطفل المشتاق إلى حضن أمّه أعاود هرولتي و أتمسّحُ بأطراف أثوابها قائلا : الدّا .... دادا ... راني توحّشتك ياخى إنت هي دادا و إلا إمرأة أخرى .
فتكشف لي في عبث عن وجهها الصّبوح مبتسمة ضاحكة ، و تأخذني إلى حضنها في حنان و رأفة و أشم رائحتها و عطر المسك يرد لي روحي .
و تغمرني بالقبلات الحارة الحنونة قائلة :
راني عارفاتك باش تجي تعرضني و تستنّاني هنا .
🌹 اليوم عيد ميلاد أمي ال 86
أتمنى أن يمتعها الله بالصحة و العافية و طول العمر
و أن يرزقنا رضاها و برّها و صالحات دعاءها يا رب العالمين .
✍️ آبو ياسين /تونس 🇹🇳