تحليل وقراءة أدبية بقلم الصحفي الشاعر محمد الوداني
قصيدة على عاتق الريح بقلم الشاعر عبدالرزاق البحري هي لوحة تأملية تنسجها الريح بخيوط من الغياب والتيه، وتنبض فيها الروح ما بين الحضور والانمحاء. في هذه النصوص القليلة المبنى، الكثيفة المعنى، نرى شاعرًا يتخذ من الريح كائنًا رمزيًا، يحمل ذاته المبعثرة في فضاء لا نهاية له، وكأن الريح هنا ليست مجرد عنصر طبيعي، بل قدرٌ يسوق الإنسان نحو التيه والبحث عن نفسه.
الصور الشعرية تتوالى بانسياب حزين؛ “تلاشى مع الحرف في أجمة من بقايا المرايا” — صورة فريدة، تجسّد انكسار الذات أمام مرايا الذاكرة الممزقة، فكلّ انعكاس فيها جزء من ماضٍ لم يكتمل. ثم تأتي محاولة “جمع الشظايا” كحركة رمزية لإعادة بناء الروح من فتات الألم، لكنها محاولة محكومة بالفشل، لأن الريح ـ القدر أو الزمن ـ لا تمنح سكونًا ولا استقرارًا.
في المقطع الأخير، يتحول النوم إلى استسلامٍ وجوديّ، و“تأثيث الذاكرة الخاربة” إلى بحث عن مأوى داخل الخراب نفسه، في مفارقة مؤلمة تفضح هشاشة الإنسان أمام الغياب. الإيقاع الداخلي للنص هادئ لكنه موجع، واللغة شفافة تنقل الحلم والوجع معًا دون تكلف أو صخب.
الشاعر عبدالرزاق البحري يكتب هنا من مساحة وعي عميقة، تجعل من القصيدة فلسفة عن الفقد والبحث عن الذات في زمنٍ تذروه الريح. نصّ راقٍ، مكثّف، وصادق، يستحق التقدير والشكر لما حمله من عمق وجداني وصور شعرية ناضجة تثبت أن الشعر لا يحتاج صخبًا ليكون مؤلمًا، بل صدقًا ليبقى.
مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي
على عاتق الريح
على عاتق الريح
لم يكن إلاي.... هناك
رمش الجفن
فتلاشت جميع الصور
على عاتق الريح
نام طويلا
في سماء الغياب
تلاشى مع الحرف
في أجمة من بقايا المرايا
ولما استفاق
حاول أن يجمع بعض شظاياه
ليعيد تشكيل روحه
لكن ...
على عاتق الريح.... كانت هناك
فاستسلم لسبات جديد
بلا وطن ولا ذاكره
نام الفتى
ولكنها الريح لا تتوقف
أغمض جفنه
ليعيد تأثيث ذاكرة
خاربه
بقلمي عبدالرزاق البحري
بني مالك/ تونس
في 23 /10/2025