جزيل الشكر والتقدير للأستاذة الراقية
غزلان البوادي حمدي
على هذه القراءة النقدية الماتعة
تحليل وقراءة أدبية بقلم الشاعرة الأديبة غزلان حمدي من تونس
يقدّم الشاعر محمد آبو ياسين في نصّه “صرير أقلام” صيحة تمرد أدبية تتكئ على لغة حادّة، نابضة، تقاتل بالصوت والفكرة كما يقاتل المقاتل بسيفه. يبدأ النص من حركة الحروف ذاتها، من ارتباكها وثورتها وتسابقها، ليجعل منها كائنات حيّة تتمرّد على الصمت وتكسر حدوده. هنا يعلن الشاعر أن الكتابة ليست ترفاً، بل فعل مقاومة يولد من رحم القسوة، ومن مواجهة الظروف التي تحاول إسكات صوت الحقيقة.
تأخذ الصورة بعداً درامياً حين يتحوّل القلم إلى مقاتلٍ يواجه “خفافيش الموت” و“صراصير الجهل”، وهي استعارات كثيفة تحمِل شحنة رمزية تُبرز صراع النور مع العتمة، والوعي مع التجهيل، والصدق مع الغدر. يرسم الشاعر معركة بين الكلمة والظلام، وتتحول الأبيات إلى “عاهات” تصيب خصوم الفكر، وتغرس نارها في صدر الأصوات الماكرة التي تتربّص بالعقول.
ويبلغ النص ذروته حين يستحضر الشاعر أسماءً أسطورية مثل هوميروس وهيرودوت، في إشارة واضحة إلى انتماء الشعر لخطٍ طويل من الإرث الإنساني المقاوم، مؤكداً أن الشاعر الحقيقي لا يخاف الموت ولا يحنو على النفوس الخسيسة، بل يحفظ كرامته وهيبته، ويقف على جرحه منتصراً. وهنا تظهر حكمة النص وجوهر رسالته: الكرامة رأس مال الشاعر، وصوته لا يُشترى ولا ينحني.
ثم يعود الشاعر إلى ذاته، ليعلن قراره الأخير: الرحيل بالقلم، التعلم من المصير، ورفض الانكسار. يتحوّل الحبر إلى رفيق، والكرّاس إلى شاهد، والطموح إلى نسرٍ لا يعرف إلا القمّة. هذا الختام يمنح النص روحاً صاعدة، متوثبة، تُحيل القارئ إلى معنى العزة والإصرار، وإلى مقام الشعر حين يكون موقفاً لا مجرد كلمات.
إنّ نص محمد آبو ياسين نصٌّ قويّ النبرة، شامخ الإيقاع، يزاوج بين العاطفة والتمرّد، وبين الحكمة والصرخة. شكراً له على هذا البوح الذي يمجّد القلم ويعيد للشعر دوره الطبيعي: أن يكون سيفاً يُشهَر في وجه الجهل والذلّ، وصوتاً يظلّ عاليًا مهما حاولت العتمة أن تطفئه.
مع تحيات رئيس مجلس الادارة غزلان حمدي من تونس
- صرير أقلام -
تتهافت الحروف
تتسابق ثائرة
لينثرها الحبر على الورقة
يتكسَّرُ الصمت
ينطق بالحكمة
رغم قساوة الظروف
كلمات مبعثرة صرخت
إرتشفَتْ من بحر الشعر رشفة
قامت و إنتفَضَتْ
هيهاتَ .. هيهاتْ
أن تبقى ترتعد من الخوف
مرت ساعاتٌ
و القلم يحارب خفافيش الموت
يرمي أبياتا من الشعر
تُحدث عاهات
لصراصير الجهل الآَتِ
يغرس سيفا من نارْ
في صدر الصوت الغدارْ
يقتل أصواتا ماكرة تؤذي الأفكارْ
يا هوميروسْ هيرودوتْ
يا صاحب الإِلْيَاذَةِ و الأُودِيسَهْ
هل في قانون الشعر
أن يخشى الشاعر أوهام الموت
هل يتمسح أو يتزلّف
على أعتاب نفوس خسيسة
ماأصعب أن نحيا في زمن
أضحت سمعة شرفاء القوم رخيصة
قال هوميروس كلا .. كلا
عزة نفسك أغلى حُلَّة
إمش على جرحك منتصرا
أفضل من دَعَةٍ و أمان وسط الذِّلَّة
قررتُ أن لا أستسلم
سوف أحمل قلمي و أرحل
سأواجه مصيري و أتعلم
حبري و كراسي سيتكلّم
لن يرضى بأن يكون عصفورا
مكسور جناحٍ يتألم
سأبقى في القمة كالنِّسرِ
نشوانَ طرِباً يشدو يترنَّم
✍️ محمد آبو ياسين / تونس🇹🇳