قرائتي النقدية لقصيدة
قبْلَ الرّحيل
أيّها العُمْر المُسْتعجلُ رُويْدًا
أمْهِلني أُلَمْلِمُ شَتَاتَ عَثَراثي
أعَانِقُ جِراحَ أوْجاعي فإنّها
بعد رحيلي تشتاق لخَيْباتي
دَعْنِي أُسامِحُ ذِئابًا نَهَشَتْ لَحْمي
و أَقْبُرُ سِهامَ الغَدْرِ قَبْلَ مَمَاتي
أيّها العُمْر اكْبح جُمُوحَكَ بُرْهَة
أنَاجي خَالِقي يغٰفر لي زَلّاتي
دعْني أوْصي أهْلي و خِلّاني بدُعاء
علّهُ يُنْجيني إنْ خَفّتْ كفّة حَسَناتي
أدْعوكَ رَبّي سِرًّا و عَلانِيَة
أنْ يَكون قبْري أشْرَفُ الخَلَواتِ
أفْلادُ أكْبَادي وصِيَّتي لَكُم
أيّاكُم و دُروب الشّهَوات
ما ترَكْتُ لكم مالًا و يا ليْتَني
و لكنْ رزقكم مَهْما طال فهُو آتِ
والدَتكم أوْصيكم خَيْرا بها
"فالجنّةُ تَحْت أقْدام الأمّهاتِ"
ربّي إنْ كثُرَتْ ذنوبي فَإنّني
أرجو انْ تغْفرها فتلك كانت هَفوَاتي
ما كنْتُ أبْتَغي في دُنيايا سوى رضاك
فاسكن روحي أشْرَفَ الجنَّات
بقلمي /جمال بودرع
قصيدة
"قبل الرحيل" لجمال بودرع تبرز مشاعر الكاتب العميقة وتأملاته في الحياة والموت. دعونا نحلل القصيدة ونقدم بعض الملاحظات النقدية:
الموضوع والمحتوى
تتحدث القصيدة عن مرحلة متقدمة من العمر حيث يبدأ الإنسان في التأمل في ماضيه واستعداداته للرحيل عن الدنيا. يتناول الشاعر مواضيع مهمة مثل الندم، الغفران، والوصايا للأهل والأحباب.
البنية اللغوية والأسلوب:
1. البداية القوية: يبدأ الشاعر بنداء للعمر يطلب منه التروي والتمهل، مما يعكس شعورًا بالحاجة إلى المزيد من الوقت لمراجعة الحياة وتصحيح الأخطاء.
2. التكرار والأسلوب البلاغي: استخدم الشاعر التكرار مثل "أيّها العُمْر" و"دعْني"، مما يعزز التركيز على الرغبات الملحة لدى الشاعر.
3. اللغة البليغة: اللغة في القصيدة تجمع بين الفصحى والبلاغة، مع استخدام الصور الشعرية مثل "ذئاب نهشت لحمي" و"سِهام الغَدْر".
الرسالة والدلالات:
1. الاعتراف بالخطايا: يتحدث الشاعر عن جراحه وأخطائه السابقة، مما يعكس التواضع والاعتراف بالذنب.
2. التوجه إلى الله: يبرز الشاعر أهمية التوجه إلى الله بالدعاء وطلب المغفرة، مما يعكس الجانب الروحي العميق.
3. الوصية للأبناء: يقدم الشاعر وصايا للأبناء تتعلق بتجنب الشهوات والاعتناء بالأم، مما يعكس القيم الأخلاقية والدينية.
الجوانب العاطفية:
تتميز القصيدة بالعمق العاطفي حيث يعبر الشاعر عن مشاعر مختلطة من الندم، الألم، الأمل، والإيمان.
الختام:
القصيدة تختم بدعاء الشاعر لله أن يسكنه في الجنة، مما يعكس الأمل والرجاء في حياة أفضل بعد الموت.
ملاحظات إضافية:
- استخدام الشاعر لأسماء الحيوانات مثل "ذئاب" و"غزلان" يعطي القصيدة طابعًا حيًا وحيويًا.
- توازن الأبيات وموسيقيتها يضفي جمالًا على القراءة ويجعلها سهلة الانسياب.
بشكل عام، القصيدة عميقة ومعبرة وتستحق الثناء على طريقتها في التعبير عن مشاعر الإنسان في مواجهة النهاية المحتومة للحياة.
مع أجمل تحياتي الشاعرة الأديبة غزلان البوادي حمدي تونس

