تحليل نقدي الشاعر محمد الوداني والشاعرة غزلان حمدي قصيدة غربة نفس الشاعرة عائشة ساكري




 تحليل نقدي بقلم الأستاذ الصحفي الشاعر محمد الوداني بمساعدة الشاعرة الأديبة غزلان البوادي حمدي تونس 

نص "غربة النفس" للشاعرة التونسية عائشة ساكري يعكس ببراعة مشاعر الوحدة والألم الداخلي، حيث يصور معاناة الإنسان الذي يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره العميقة بسبب القيود المفروضة عليه. يتطرق النص إلى الإحساس بالعجز عن البوح حين تختنق الكلمات وتموت قبل أن تصل للآخرين، مما يعكس صراعًا داخليًا يصعب التعبير عنه. وتعتمد عائشة في هذا النص على أسلوب الكثافة العاطفية بتعبيرات مليئة بالشجن، مثل "تموت الكلمات بين جوفك وحلقك" و"يظل صوتك مخنوقًا". هذا التصوير الدرامي للمشاعر يعمق إحساس القارئ بالاغتراب والألم، ويخلق تواصلًا شعوريًا قويًا مع النص.


يصل النص إلى قمة التحليل النفسي في وصف الاغتراب بين الذات والمجتمع، حيث تطرح الشاعرة تساؤلًا ضمنيًا حول قدرة الآخرين على فهم مشاعر الفرد الذي يعيش ألمه بصمت، حتى حين يُطلب منه الابتسام وسط الحزن. ومن هنا، تعبر عائشة عن معاناة الذات وكأنها نداء للاحترام، سواء من الآخرين أو من الزمن ذاته الذي يثقل على الإنسان ويجعله يشعر بتهميش مشاعره الحقيقية.


في الختام، لا يسعنا إلا أن نشكر الشاعرة التونسية عائشة ساكري على هذه اللوحة الفنية المفعمة بالعمق والإحساس. فقد استطاعت بقدرة فنية عالية أن تغوص في أعماق النفس البشرية، مستخرجة أدق المشاعر وأكثرها خفاءً، لتجعلنا نتلمس جوانب من الاغتراب النفسي والألم العالق بين الصمت والكلام. إن هذا النص، برمزيته وقوته التعبيرية، يكشف عن موهبة حقيقية في توظيف الكلمات لتصوير المعاناة، كأن كل كلمة تلامس جرحًا صامتًا، وكل عبارة تُشعل ضوءًا في عتمة الوجدان. شكراً للشاعرة عائشة ساكري على هذا الإبداع الراقي الذي يترك فينا أثرًا عميقًا ويجعلنا نعايش رحلة التأمل والبوح، لتكون "غربة النفس" بمثابة صرخة لكل من يحمل في قلبه شعورًا دفينًا لم يجد بعد سبيله للحرية.


مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والتوثيق والقراءة النقدية التحليلية الثقافية العربية


**غربة النفس**


ما أصعبَ أن يكونَ بداخلك آلافُ الكلمات،

ولا تستطيعَ أن تعبر عنها، وأنتَ مقيدة...

وما أصعبَ أن تموتَ الكلماتُ بينَ جوفِك وحلقِك،

وما أقسى أن تصرخَ، ولكن يظلُّ صوتُك مخنوقاً،

يموتُ بداخلك آلافُ المرات...

وما أمرَّ من أن تتألمَ، ولا يشعرَ أحدٌ من حولك.


كم هي موحشةٌ وقاسيةٌ غربةُ النفس.!!!


وما أصعبَ أن يطالبَك البعضُ بالابتسامة

في الوقتِ الذي تعيشُ فيه عمقَ الألم...

وأيُّ ألمٍ يعيشُ بينَ جوانحِكِ، أيتها الصامتة...

عذراً... إن فاحتْ رائحةُ الوجعِ بينَ السطور،

فربما لبعضِهم هي مجردُ كلماتٍ تافهة، لا معنى لها،

وربما تعني لآخرين إحساساً وشعوراً.


في هذه الحياة، لا تكن خياراً ثانياً أو خطةً بديلة...

لا تعشْ بنصفِ أمل، ولا تكنْ نصفَ الطريق...

فكم من حروفٍ تقمصت التودد، ولكن الحبرَ

كان مزيفاً، والقلمَ منافقاً بدرجةٍ أولى...!!!

وكم من مشاعرَ صامتةٍ غريبةٍ بأعماقِ الحنين،

والأشواقِ تعجزُ عن البوحِ بها أعظمُ الكلمات...

فرفقاً بما تبقى مني أيها الزمن، فحياتي أصبحتْ أزلية.


عائشة ساكري - تونس 🇹🇳

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال