تحليل نقدي بقلم مشترك الأستاذ الصحفي الشاعر محمد الوداني والشاعرة الأديبة غزلان البوادي حمدي
القصيدة عنوان "امطري يا سماء" للشاعرة القديرة عائشة ساكري
تحمل بعدًا رمزيًا عميقًا، إذ يظهر العنوان كنداء يحمل الرجاء والاستجداء، حيث تتوسل الشاعرة للسماء أن تمطر ليس فقط بالماء، بل بالشوق والحب والرثاء، وكأنها تسعى إلى تطهير الحزن أو إحياء الذكرى. يتجاوز المطر معناه الطبيعي ليصبح تعبيرًا عن الفقد والتمني والاشتياق.
تأتي القصيدة في إطار الرثاء، معبرة عن حزن عميق لفقدان الأحباب، وتستخدم المطر كرمز لتجديد الحياة واستمراريتها، وإن كان ذلك مشوبًا بالحزن واللوعة؛ فهي تستدعي المطر ليعيد الحياة إلى من رحلوا أو ليغسل الحزن المتراكم في قلوب الأحياء. يعتمد البناء الفني للقصيدة على أسلوب الشعر الحر وتكرار كلمة "امطري" لإضفاء إيقاع موسيقي يعزز الشعور بالرجاء الممزوج بالحزن.
تميزت الصور الشعرية بالعمق والرمزية؛ فقد صورت الشاعرة الأشواق كقوة حية تحتاج إلى التحريك كي لا تندثر البسمات على الشفاه، وجعلت الشروق ككائن حي يشعر بالفقد، مما يعكس مدى الحزن العميق. كما أن استخدام مفردات مثل "الجفاء" و"الضيم" يُبرز الشعور بالقهر والبعد، بينما يُعبّر التشبيه الذي يصور رحيل الأحباب كجبل شاهق يجثم على الصدور عن ثقل الفقد وعمق الألم.
استخدمت الشاعرة لغة انسيابية قوية تمزج بين الأسلوب الإنشائي والخبري، حيث يظهر النداء والتكرار كعناصر تعزز التوسل والرجاء. جاءت المفردات معبرة عن الحزن، لكنها حملت في طياتها فلسفة رثائية توازن بين الألم والخلود، كما يظهر في العبارة "نحن من بعدكم يا إلهي.. أصبحنا أمواتاً، وأنتم صرتم من الأحياء"، التي تقلب المفاهيم التقليدية؛ فالموتى يتحولون إلى أحياء في ذكراهم، بينما يعيش الأحياء موتًا معنويًا.
تتجاوز القصيدة التعبير العاطفي لتصل إلى بعد فلسفي، حيث توحي بأن من رحلوا هم الأحياء الحقيقيون، بينما يُعاني الأحياء من موت داخلي ناتج عن الألم والفقد، مما يعكس رؤية الشاعرة للحياة والموت كاستمرارية في الذاكرة والمشاعر. وتنتهي القصيدة بنبرة عميقة تعكس الحنين والخسارة، مع إشارة إلى فقدان "الحلم المزكّى" والأخلاق الحميدة التي كانت تتقاسم في السراء والضراء، في صورة تربط بين البعد الشخصي والجمعي للفقد، مؤكدة أن الخسارة لم تكن فردية بل أخلاقية وإنسانية كبرى.
بوجه عام، تحمل قصيدة "امطري يا سماء" طابعًا وجدانيًا عميقًا
مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والتوثيق والقراءة النقدية التحليلية الثقافية العربية.
**امطري يا سماء**
امطري امطري يا سماء
حركي الأشواق كي لاتموت
البسمات على شفاهنا
امطري..ها نحن في أيامٍ حزينة
ليالٍ قاتمة من فصل الشتاء
هكذا يعمّ السكون في كل الأرجاء
والآذان لصوت الفقد، أصبحت صمّاء
حتى الشروق أتى بدونكم فاقداً
يملؤه الحنين عذاباً لا نهاية له
حتى يحن القدر ليوم اللقاء...!
امطري حبًّا واسقي النيام الذين
وافتهم المنية على عجلٍ
فنحن من يستحق الرثاء
امطري غيثاً مريئا نافعاً
كي ينبت الزهر على
ضفاف قبر الأصفياء
نحن مِن بَعدِكُم يا إلهي..
أصبحنا أمواتاً
وأنتم صرتم من الأحياء
امطري..امطري يا سماء
واروي جراح الأحباب
الذين تركتهم دون سواء
قد جفاهم الضيم وأثر النوى
فرحيلكم يا إلهي كان
كالجبل الشاهق...جثا
على صدورنا حد الشقاء
لا أدري، هل أرثيكم حزني
أم أجاريكم ببعض الثرثرات
التي كنا تعودنا عليها في كل لقاء
قد خسرنا الحلم المزكّى
والأخلاق الحميدة التي
تقاسمناها في السراء والضراء.
الشاعرة عائشة ساكري تونس🇹🇳
8 فيفري 2025