الشّعر: من وجدان الإنسان إلى سلاح التّعبير
الشّعر ليس مجرد كلمات موزونة، أو قوافٍ منمّقة، بل هو تعبير عن روح الإنسان في لحظات صفائه وتمرده، ضعفه وقوته، شوقه وحنقه.
منذ أن وقف الإنسان أمام الطّبيعة، يتأمل الليل والنّجوم، الموت والحب، والظّلم والعدالة، ولد الشّعر. هو الابن الأول للعاطفة، والمرآة الصّادقة للأزمنة.
نشأة الشعر: من الغناء إلى الكتابة
بدأ الشّعر فطريًا، شفهيًا، متصلاً بالغناء والرّواية. قبل أن تُدوّن الحروف على الرقوق، كان الإنسان يروي القصائد حول النّار، يردّدها في الحقول، أو في ساحات الحرب، أو في طقوس الحب والفقد.
في الثقافات القديمة، من سومر إلى مصر إلى الجاهلية العربية، كان الشّاعر هو المؤرخ، والمُلهِم، والنّاطق الرّسمي باسم القبيلة أو الجماعة.
ومع تطوّر الكتابة، تحوّل الشعر إلى فن مدوّن، يحمل أبعادًا جمالية وفكرية أعمق، ويأخذ أشكالًا متعدّدة تناسب البيئات والمذاهب المختلفة.
وظائف الشّعر: بين الجمال والرّسالة
الشّعر لم يكن يومًا فنًّا ترفيهيًا فقط، لقد حمل على عاتقه وظائف متعددة، منها:
1. التّعبير الوجداني
هو صوت الحنين، والحب، والفقد، والحيرة، إنّه الطّريق الذي يسلكه الشّاعر نحو ذاته، أو نحو من يحب، الشّعر هنا يصبح مرآة للرّوح، ومتنفسًا للانفعالات المكبوتة.
2. التّوثيق التّاريخي
في غياب التّدوين، كانت القصائد تحفظ تاريخ المعارك، أنساب القبائل، وهويات الشّعوب، وقد ظلّت بعض القصائد الجاهلية، مثل المعلّقات، شاهدة على عصور كاملة.
3. التّهذيب والتّعليم
في بعض الثّقافات، كان الشّعر وسيلة لتعليم القيم، والأخلاق، والحكمة، من خلال الأمثال المنظومة والنّصوص التّربوية ذات الإيقاع.
الشّعر والسّياسة: الكلمة حين تصبح سلاحًا
من أقوى أدوار الشّعر وأكثرها تأثيرًا، هو دوره السّياسي، حين تعجز الأسلحة عن قول الحقيقة، يتكلّم الشّعر،فهو لا يُقصف، ولا يُعتقل، وإن حدث، فإنّ سجنه لا يمنع انتشاره.
1. الشّعر العربي السّياسي
منذ الجاهلية، كان الشّاعر يُستدعى ليمدح القبيلة أو يهجو خصومها، في صدر الإسلام، أصبح الشّعر من أدوات الدّفاع عن الدّين والدّعوة، ثمّ في العصر العباسي، ازدهر شعر المعارضة، والاحتجاج، والتّلميح الذّكي تحت وطأة الرّقابة.
أمّا في العصر الحديث، فقد كان الشّعر أحد أعمدة النّضال الوطني.
من محمود درويش الذي حوّل القضية الفلسطينية إلى أيقونة شعرية، إلى أحمد مطر الذي فضح الطّغيان بالكلمة، ونزار قباني الذي نقل الشّعر من الحب إلى السّياسة بسلاسة مؤلمة.
2. الشّعر كأداة مقاومة
في السّجون، والمنافي، والمعارك، ظلّ الشّعر يُكتب على الجدران، ويُهمَس في الزنازين، ويُهرّب بين دفتي كتاب؛ لأنّه حين تُكمم الأفواه، يبقى الشّعر يَكتب ما لا يُقال.
"الكلمة، حين تكون صادقة، تصبح أكثر فتكًا من الرصاص".
الشّعر اليوم: هل ما زال حيًا؟
رغم سطوة الصّورة، وزحام التّكنولوجيا، ما زال الشّعر حيًا في دواوين كثيرة، وعلى منصات التّواصل، وفي أصوات من يحملون الألم والوعي. لقد تغير شكله، لكن روحه ظلّت: تلك الرّوح التي تبحث عن المعنى، وتفضح الزّيف، وتزرع الجمال.
خاتمة: الشّعر، فنّ الحياة
الشّعر ليس فقط "فنّ القول" بل "فنّ الوجود"، هو أن تقول ما لا يُقال، وأن ترى ما لا يُرى، وأن تصرخ دون صوت.
من الحب إلى السّياسة، من الذّات إلى الوطن، يظلّ الشّعر مرآة الإنسان حين يشتد عليه العالم، وسلاحه حين لا يجد سلاحًا.
الكاتبة: ورود نبيل- الأردن