أنثى يهابها الضجر
خالد أخازي
يكفي أنك أصل الغفوة،
يكفي أن حلم العودة من الجبهة،
يكفي أنك استعارة للوطن والحياة،
يكفي أنك كناية عن الأزلية.
كوني أنثى،
وانثني... ثم تمنعي،
كوني قاسيةَ الانتظارِ مساءً،
تهتكي ولا تعتذري،
فالعتاب بالحرمانِ،
عنفوانُ مروج الرجال.
كوني بهية العتابِ،
لا تَزِني هذا الامتزاجَ
بفكرةٍ لم تجرّبْ
غربةَ الاستثناءْ...
لا تقيسي كلَّ لقاءٍ
بنظريةِ نسوية
مزيفة الخصوبة،
النسويّةُ جلّادٌ للأنوثةِ،
متى سكنَها هوسُ القسمةْ،
القسمة نقمة الفطرة.
فكلّ شيءٍ أنثى،
حتى الحلمُ، والنداءْ،
فلا تتساوي وعَرقَ الحياةْ،
فكلُّ عرقٍ منكِ، ولكِ، وفيكِ.
تذكري لمن يعود جندي،
حين ترحل المدافع...
لمن يكتب غريب،
حين تزحف الأوجاع،
لمن يكتب الشاعر خلسة،
ولو حدث جمر السياف.
كوني عبقًا لأصل البداية،
تزهرين بماء الدموع،
تملئين صمت البيوت،
صخب الخلود.
كوني حبيبتي المتهتكة،
حين يعوزي الرجاء،
حين يخذلني صهيل الأبدية.
كوني تلك التي يهابُها الضجر،
كوني ما ينقصُ القصيدةَ،
حينَ يختلُّ الوترْ.
كوني صُبحَ الكلماتِ،
حينَ يضرب قلب الكمنجات،
عن الخفقان والطعام.
كوني عزاء السجين،
طيفه الجميل،
حين قسا الليل غربة وظلالا،
من يستدعي صبار الزنازن،
غير رائحة امرأة،
تروض عبء الظلام.
كوني قلبِ الندى،
يخافهُ الصدى،
ذاك الصدى،
قد فوضهُ مكرا،
ليلُ الأسى قدرا،
لافتراس ضوء نافذة.
كوني أنثى،
وكيدي كيدا جميلا،
بخطوكِ ونحركِ...
لخَصرٍ نسي أنه نارٌ،
لا عار ولا وصمة.
وأنت...أنت
متى قٍسْت حبل الحقوق،
انطفأ قنديل جسد،
يكفيه مطر الأصابع،
ليصنع الربيع في عز الشتاء.
كوني أنثى لا غيرْ...
فالأنثى تهابُها نواقيسُ الحكمةْ...
والأنثى رغبة ونعمة وحكمة ..
وسقف كل خيال
حين تخبو نار الخريف...
كوني أنثى،
لا تُفكّري مليا،
في الوصية وكلام المنابر،
سيجثو على ركبتيه،
كلُّ مدّعٍ فروسيةً،
سيفُهُ لا يصقله،
غير طل الشفتين.
كوني امرأةً،
تكتفي ببهاءِ الأنوثةْ...
لا تُرهقُ خيال الطريق،
ولا تضيقُ مساحاتُ الفطرة،
بسؤال المنعطفات.
تعالي،
تهتكي،
ولا تتمالكي،
فشلالُكِ تعمّدَ بهِ،
الفارسُ... والحكيمْ...
كوني امرأةً،
لا يعنيها سؤالُ القياسْ...
كوني أنثى،
لا يُهزُّ كيانَها،
سُعارُ المساواةْ...
فحينَ نتساوى،
سقف السكينة يتهاوى،
وتهربُ منكِ،
كل أنهار الأعراس الجبلية.
كوني انتظارًا،
دافئًا متوثبا وراءَ البابْ...
يصيخ سمع المسام،
لخطو رجل مشتاق،
أنهكَهُ غبارُ الرغيفْ،
يعودُ إليكِ،
ليتبددُ صَهدُ النهارْ.
وحين تغفو الستائر،
يصيرُ طفلًا أحمق الهوية،
يلهو بظفيرةٍ شاردة،
تمسح عنه شقاء الأوزار.
كوني ضوءَ النهارِ،
إذا عميَ القدرُ،
عن دورةِ الأهوالْ.
كوني الكلمةْ،
في روعي، في لوعتي،
حينَ يضيقُ صدر العزاء.
كوني فقط أنثى،
تجيدُ ترتيبَ الزمانْ،
والمكانْ،
حين يُرغمني النصب
على الارتجال...
كوني خيمةً،
من سعفِ الصهيل،
تجيدُ الحكيَ،
قربَ النارِ والمجازْ...
أقلبُ معكِ دفترَ الذكرى،
أضحكُ...
أصيرُ أحمقْ،
أبكي معكِ،
وأغدو طفلًا...
على صدركِ
أُفرغُ فيضَ أحزاني،
أتجدد بضوء عينيك.
كوني فقط،
امرأةً،
تشبهُ أمي،
قبلَ استبداد التِلفازْ،
قبل أن يهرب الاختلاط الدافئ،
بغربة الهاتف النقال.
الهاتف النقال قاتل مأجور للحياة.
كوني ربيعَ الرجاء،
امرأةً تشبهُ حُلمي،
قبلَ انفجار المسيراتْ...
كوني تلكَ الكفَّ،
قد عطَّرها عجينٌ وحنين.
كوني أنثى ببقيةِ عبق رمادٍ،
ورائحةِ خُبزٍ جسور الشهية
في مخاض التنور.
كوني أصلَ غريزةِ الحياة،
قبلَ خطابِ الحرياتْ...
كوني أنثى كالعدى،
قبلَ أن ينمو،
في عقلِ الأنوثةِ،
نشازٌ غريب،
لوَّثَ لهاث النعومة...
كوني أنوثةً،
لا تُحاربُ،
لبنَ الثديْ...
أنثى لا غيرْ...
ترضع... لا تخاف...
ترهل الصدر والجسد.
كوني امرأةٌ لا تشبهني،
لا تلبسُ مثلي،
لا تُقاسمُني قهرًا،
باسمِ المساواةْ...
نتساوى... فنتهاوى...
لا أحد يعشق الشبيه...
أصل الهوى اختلاف فاتن اللسان.
كونُكِ امرأةً،
يكفي العالمَ ضوءًا،
حتى تطوى صفحة الحكاية.
فكوني فقط أنتِ،
قبلَ أن تكوني،
ما عليه أنتِ...
فأنت تشبهينني كثيرا...
فقدت فتنة الإبهار.
كوني بكلِّ الضعفِ البهيِّ الأصليّ،
ضعفُ النساءِ،
بهاءٌ وكبرياء...
كوني مرتجلةً،
القبل ...العناق،
الوداع... اللقاء
الخصام... الفطام...
امرأةً بلا خُطّةٍ في العشق...
تمشي ببوصلةِ الأنوثةِ،
لا تُزيّف العلاماتْ،
ولا البكاءْ... ولا الغناء.
سرُّها عندَ العبورِ،
النداءْ والصياح،
كوني نجمة الشوق الخفي
يفضحها السهر حتى الصبح،
تنامُ مع والحبق
فجرا على الشرفاتْ،
لا تُجيدُ الخطابة اللعينة.
كوني عُرسَ السريرْ...
كوني واحةَ المساءْ،
حينَ أهربُ،
من صَهدِ الشقاءْ...
كوني أنثى تُرغمُ القدرَ
على الصمتِ...والحياءْ...
كوني حلمَ عابرِ سبيلْ،
كوني وسادةً،
رغيفًا،
تأويلا جميلا،
لحلم ملتبس،
خرج من مخاوف الخريف.
بددي وجعي،
بددي هَوَسي،
بصخب جميلٍ،
كصمتِ الأنبياءْ...
هل ضاعَ الطريقُ منّا؟
منكِ..منا... منا
أم أننا كنّا،
مجردَ يائسين،
جمعتْهُما،
غربةُ السفرِ،
وهلعُ البداياتْ؟
هل ضاعَ سرُّنا،
في ليلِ الطريقْ؟
أم نحنُ واهمانِ،
بلا سرٍّ ضحوك،
ولا مصيرْ؟...
ربما لم نكنْ سوى غريبَين
تَقاسمَا خوف المدينة،
ونسيا محيا الذكريات.