هل تظنُّ أنَّ التاريخَ ينام؟
هو سَهَرُ القبورِ حينَ تشتعلُ الحكاية،
هو صوتُ دمٍ لم يُدفنْ بعد،
هو يقظةٌ بعيونٍ متوثِّبة،
تحرسُ الحكاياتِ المدفونة،
وتهمسُ كلّما غفتِ الشعوبُ:
لا تَخْذُلوا السلاحَ،
ففي قبضتكم حياةُ الأمم،
وفي رفضكم لحظةَ الاستسلام،
تُولَدُ الأساطيرُ،
وتعودُ الأرواحُ، تمشي على أقدامِ النار.
حين أسقط السيف – 5
"صهيلُ رايةٍ وقبضاتٌ من عادوا ..."
غرناطة...
في كلّ ليلٍ منسيّ،
تُفتحُ أبوابُ القصرِ من تلقائِها،
وتنسكبُ ظلالُ العائدين.
شهداءُ الأندلس يركضون في الساحات،
يوقظونَ النوافيرَ من سُباتِها،
ويكتبونَ على الجدران:
لو لم نُخدعْ بالحبر،
لظلَّ المئذِّنون يعلّقون النورَ على السماء،
ولغنَّت الحمراءُ للصبحِ لا للذلّ،
وما انحنى المفتاحُ على خاصرةِ الغدر.
بغداد...
أطفالُ الرشيدِ يخرجون من ضفائرِ النهر،
وفي يدِ كلٍّ منهم كتابٌ لم يُحرق،
يُعيدون ترتيبَ الأبواب،
يرمّمون جدرانَ الذاكرة.
تعودُ أرواحُ الشهداءِ كأنّها أنفاسُ دجلة،
تغسلُ الدمَ بالحبر،
وتُعيدُ المئذنةَ إلى حنجرتِها.
كان يكفي أن لا تُسقَطَ الراية،
لتظلَّ العزّةُ تمشي على أرصفةٍ من ذهب.
ليبيا...
تشُقُّ الأرواحُ الرملَ كأنّها برقٌ من زمنٍ آخر،
تعودُ بوجوهٍ غطّتها العاصفة،
لكنّ العيونَ لا تزالُ تشعلُ الصحراء ...
وفي سواني بني آدم،
يقفُ الشهداءُ على عتبةِ الغدر،
ويضحكونَ من الورقِ الممهورِ بالخديعة.
لو لم تُسلَّم البنادقُ،
لكانت السنابلُ تنبتُ في المدى وهي تهتف:
هذه الأرضُ لا تُباع،
وهذا الترابُ لا يُنسى.
صفد...
شهداؤها لم يرحلوا، بل اختبؤوا في الجدران،
في نداءِ الجدّات ...
وفي الحكايةِ التي لم يُكتَبْ لها الختام.
يعودون كلّما بكت بندقيّةٌ يتيمَتَها،
كلّما مرّت طفلةٌ تبحثُ عن شقيقِها في جذعِ الزيتون.
لو لم تتكسّر الأكتافُ على عتباتِ الخديعة،
لكان ظلُّ الكرامةِ باقيًا،
ولم تُذبحِ الحنايا على عتبةِ الصمت.
ظلُّ الإرادةِ،
ليس رايةً تُخفَض،
بل جذوةٌ لا تنطفئ،
هو صهيلُ الشعوبِ حينَ لا تنحني،
وتوقُ الأرواحِ إلى وعدٍ لا يُنقَض.
لا تُسلِّموا سلاحكم،
ففيه ذاكرةُ الجبال،
ولا تخدعكم راياتُ الهدنة،
فالسلامُ الحقُّ لا يُؤخَذ من يدِ الغدر،
بل من قبضاتِ الذين عادوا،
يحملون رايةً حمراء... بها إرثُ الشهداء.
✍️ محمد الحسيني – لبنان