ومالم يكن بالحسبان بقلم الأستاذ الشاعر الطيبي صابر

 **بين كانَ وما لم يكن بالحُسبان**


حملتُ طفولتي 

في جُعبةٍ من غيم

وخَبَّأتُ الشبابَ 

في درجِ ذاكرتي

وصِبايَ...

كتبتُه على هامشِ 

دفترٍ قديم

تركتهُ تحت أوراقِ 

عمرٍ منسيٍّ

يذبلُ بين يديّ الرياح..

في دروبِ الحربِ سرتُ

يديّ باردتان ترتعشانِ

كطيورٍ تبحثُ 

عن عشٍّ مهدوم

وبريقُ الدمعِ 

يهربُ من وجهي

يبلّلُ الترابَ خلفي

كأنهُ يودّعُ ما تبقّى منّي...

لا أدري...

أهو وداعٌ؟

أم حزنٌ على فِراقٍ قديم؟

أم نبوءةُ انكسارٍ قادمٍ

حينَ نُنتزعُ من الديار؟

صرنا نازحين

وصار الوطنُ خيمةً

والحقُّ معونةً

والكرامةُ بطاقةَ انتظارٍ..

اختلط الحزنُ بالشوق

وانبعثَ من الذاكرة 

عِطرُ زمانٍ

والريحُ تأتي به من بعيد

وترافقه أغنيةُ كان زمان 

وصوتٌ يُعلن الحنين.

كان لنا وجهٌ في الذاكرة

واليومَ يمحوهُ الزمنُ

بطلقةٍ البنادقُ على الوجود..

ملامحُ الشبابِ ضاعت هناك

وثيابُ الفرحِ 

اختبأتْ في صناديقٍ عتيقة

والعشقُ خجلَ من عيونٍ باكية

ذبلَ... 

وسكنَ القلبَ بصمتٍ

فنامَ الحنينُ في الجنان..

يا رسائلَ مُعلّقة

يا نهداتٍ طُويتْ في الرفوف

عودي إلينا بحروفٍ لا نخافها

فقد كانوا 

يُعلّموننا منها حب الأوطان..

دروبُ الحربِ نعتْ أرواحنا

ونحنُ لم نعلم أنَّ القبورَ فينا

قريبةٌ من أنفاسِنا 

أكثرَ من الحياة..

حنينٌ 

خوفٌ 

شوقٌ

حبٌّ 

ونسيان

ألمٌ 

حيرةٌ

صمودٌ

وبركان

قوةٌ مشوبةٌ بالضعف

وشموخٌ تلتهمه النيران..

عِزٌّ إن نزعهُ الانكسار

عادَ لأننا تربّينا عليهِ

بصوتٍ مكتومٍ

وأنينٍ متماسك الأركان.. 

اليومَ نحنُ هنا

والبارحةُ تركنا الهناكَ 

وغدًا... 

لا نعلمُ

هل يكونُ لنا

أم يُروى عنا

ما كان...

وما لم يكن بالحسبان. 


**بقلم الطيبي صابر**

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال