تحليل نقدي بقلم مشترك الدكتور مصطفى محمد العياشي والشاعرة الأديبة غزلان البوادي حمدي
في قصيدة "تشرين" للشاعرة التونسية عائشة ساكري، يتجلى في النص ارتباط قوي بالطبيعة ومفرداتها التي تتداخل مع مشاعر الإنسان، لترسم صورة وجدانية عميقة من خلال لغة مشبعة بالرموز والإيحاءات.
القصيدة تحمل بين ثناياها فكرة مرور الزمن ودورانه المستمر، حيث يأتي "تشرين" كرمز لتجدد الحياة، لكنه أيضًا يمثل نهاية موسم وبداية آخر، مما يعكس حالة الترقب والانتظار في حياة الإنسان. فالشاعرة تقدم "تشرين" بملامح متجددة، فهو مودِّعٌ لأيلول، حاملاً بين طياته الأحلام والأوهام، ويتساوى فيه المجهول والحلم، وكأنها تشير إلى الغموض الذي يكتنف المستقبل، وما يحمله من فرص وتحديات.
القصيدة تسلط الضوء على فكرة التحولات، حيث نرى هذا في صور "ينبثق الواقع من بين خيالٍ سراب" و"لحظات الفرح همسات المساء"، وكأنها تجسد الصراع بين الوهم والحقيقة، والأمل واليأس، مما يعكس صعوبة العيش وتداخل الأحاسيس الإنسانية. تتجلى معاناة الشاعرة وشوقها في تجسيد رمزي للفرح والألم عبر مقاطع النص، ويظهر ذلك في "تحت سياط الزمن في وهج الأوهام"، حيث نجد إشارة إلى الثقل الذي يسببه مرور الوقت.
ثم يتجدد الأمل مع شروق الشمس ونسائم الفجر التي "تهدهد الجراح" و"تحمل بشائر تتحدى الرياح"، مما يوحي بوجود أمل وإرادة للصمود ومواجهة الصعاب. هنا، يعكس النص ثنائية الحياة والموت، الانهيار والتجدد، عبر لغة رمزية تنبض بالشجن، حيث يخرج من كل خيبة أمل نورٌ جديد، وتتحدى الرياح بروح متفائلة قادرة على الصمود.
الصورة التي يرسمها الطير "عصفور الحسون" وهو يحلق في الفضاء تبعث على الشعور بالحرية والانطلاق، كأنها دعوة للتفاؤل والعيش رغم الصعوبات، وتغذية للروح الفنية والإبداعية التي تزهر في تشرين. فـ"عصفور الحسون" يبشر بيوم جديد مليء بالأمل والمودة، ليختم النص بنبرة من العزيمة والإصرار على الاستمرار.
في الختام، استطاعت الشاعرة عائشة ساكري أن توظف لغة رمزية غنية بالتشبيهات والاستعارات لخلق عالمٍ شعريٍّ يعكس حالات نفسية متنوعة من الألم إلى الأمل، ليكون "تشرين" رمزًا لبداية جديدة تتحد فيها الحياة والفن.
مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والتوثيق والقراءة النقدية التحليلية الثقافية العربية
***تشرين***
حلَّ تشرين الأول مودِّعًا أيلول
في زمنٍ يتساوى فيه الحلم والمجهول
ينبثق الواقع من بين خيالٍ سراب
ويمضي دروبًا طواها العذاب
لحظات الفرح همسات المساء
تلاقي استراحات الشوق الوضاء
حيث تتساوى الصدف والانتظار
وتذبل أوراق الحياة بانهيار
تحت سياط الزمن في وهج الأوهام
أطلَّ تشرين حاملاً معه الغمام
وبسمة شمسٍ تلوح من بعيد
تنثر الأمل في صباحٍ جديد
نسائم فجرٍ تهدهد الجراح
وتحمل بشائر تتحدى الرياح
شروقٌ يشرق بالحب الكبير
ولحن شجنٍ على وترٍ أسير
على شرفات النور تطلُّ الحياة
وتصدح في الأرجاء أجمل النغمات
عصفور الحسون فوق غصنٍ يطير
مبشّرًا بيومٍ بالأمل يسير
يحمل التحايا لكل محب
ويزرع في الدرب دفءً وقرب
فتنبض قلوبٌ بلحن الشجون
وتحيا مع تشرلين عهد الفنون
عائشة ساكري تونس_ 10_10_2021


