*معزوفة الشوق...!
كما العصافير تبيت حنينا و دفئا
في جوف وادي...
في ليل الشتاء... و صمت الشجر
مثل الذئاب عند الكهوف...
وفي قفر البوادي...
مثل الطيور في الزمهرير...
مثل الرياح عند الهجير
مثل الظبى ومثل الأسود
وكل الصنوف...
لبيتي القديم وعرش خوى...
أعود حزينا لوكر خلى...
أقتفي بالشوق ذاك الأثر...
ويحلو السمر...
والصمت يداعب مني الشجون
يزيد اشتياقي...
غريب قد عز عليه التلاقي
وحيد في باحات السحر
وهاذي البقايا التي رمدت...
وحين المواسم ..
وأسراب العصافير التي هاجرت
وهاذي الديار وهاذي الجدر
وصمت المكان المريب
وأنا وحيد كطفل غريب...
أنيسي في وحشتي...
حسيس اللهيب وهذا الأجيج...
وهذا اللظى وهذا الشرر...
قد أمعن فيا الحنين الدفين
للراحلين...للحاضرين الغائبين...
لما كانو يوما هنا...
لما مرو يوما من هنا...
غضبو هنا... وضحكو هنا...
وغادرو من هذا الطريق
ولم يرجعو أبدا...
رحلو وهجرو الدار...
واعشوشبت دونهم كل النوادي ...
وأمست خلاءا هاذي الساحات
وهشيم الهجر فيها استقر...
هاجر كل الأحبة..
ولم يتركو غير السكون ...
وغير بقايا أثر...
فلا صوت في الديار يرد الصدى
غير صوت الريح والزمهرير
ولمع النجوم ونور القمر...
يسافر هاجسي بين الدروب...
كهجر العصافير وهجر الظبى
نحو الشمال ونحو الجنوب...
أسافر بالذكرى لأمسي الجميل
وأغمض العين يعز الرجوع...
وتهمي المطر...
وتنساب من عيني الدموع
رذاذ كهمي مطر...
وأرسم بالشوق خيالات
حين تفيض في مقلي العبرات
أحدق في النار...
وظل النار في الجدار
كأني ارى اطياف وجوه تمر...
أسافر وهما في ألسنة هذا اللهب
وهاذي الظلال... ووجه الجدر
وفي شرفة الدار عتم حزين
وفوق الديار الخوالي...
يحاصر روحي غمام مخيف
ويغزوني الظلام حينا...أحن...
تمر الغيوم...ويحلو السفر...
أحدق في مر الغيوم...
متى بين كل الغيوم وهذا السحاب
سيبدو القمر...؟
متى بين كل شجوني وصمتي
يحنو عليّا القدرْ...؟
أنا كل ليل حزين أسافر شوقا
أمام وحدتي واللهيب...
غريبا أشكو هدوء المكان...
وصمتا مهيبا لعتم الشّجرْ
أنا كل ليلٍ ينام الظلام في وحشتي
وأشكو للريح اشتياقي...
أكلم نفسي بالصمت عزفا ولحنا
وفي شهقتي حين البكاء
تهرب مني كل الأغاني
ويهرب الصوت مني وكل الكلام
و يموت في خافقي ذاك الوتر..
-سميربن التبريزي الحفصاوي-تونس