تحليل نقدي بقلم مشترك للاستاذ الشاعر محمد الوداني والشاعرة غزلان حمدي من تونس


 تحليل نقدي بقلم مشترك للاستاذ الشاعر محمد الوداني والشاعرة غزلان حمدي من تونس 


يحمل نص "عبق الذاكرة" للكاتبة عائشة ساكري عمقًا وجدانيًا وتأمليًا يستدعي القارئ إلى رحلة نفسية تغوص في ثنائية الذكرى والألم، الماضي والحاضر، القيود والتحرر. منذ البداية، تتجلى براعة الكاتبة في تجسيد الذاكرة وكأنها كائن ينبض بالحياة، يطرق أبواب الذهن ويفتح أروقة الحزن الدفين، وكأنه لا يرضى إلا بأن يعيد للأذهان تفاصيل الألم الذي ظنّ الإنسان أنه تخلص منه. إنها لغة مشحونة بالإحساس، تجعل القارئ يعيش المعاناة وكأنها تنبض بين السطور، حيث يصبح الماضي سجناً يعتصر النفس شيئًا فشيئًا، دون قدرة على الإفلات منه، لأنه يحاصر الإنسان في ظلمة رهيبة تكتسح أنفاسه حتى تكاد تخنقه.


لكن الكاتبة، برؤية فلسفية عميقة، لا تجعل من الألم قدرًا محتوماً، بل تقدم دعوة للخلاص، حيث تصدح كلماتها بنداء قوي: "اترك هذا النصف الذي أتعبك وامضِ بعيدًا ولا تلتفت." إنها دعوة للتحرر من القيود التي تثقل القلب، والتوجه نحو الأمل، وكأنّ الماضي هو العدو الذي يجب مجابهته كما يجابه الإنسان رصاصة الموت المحتّم. هذه الصورة القوية تعكس مهارة الكاتبة في تحويل المعاني إلى مشاهد بصرية تنبض بالحياة، حيث يصبح الإنسان في مواجهة مباشرة مع ذاته، مطالبًا بانتشال نفسه من هاوية الذكرى.


يتألق النص بجمالياته البلاغية، حيث تمتزج الصور الشعرية بالموسيقى الداخلية التي تصنعها التكرارات والتوازن الإيقاعي. فنجد العبارات تتلاحق بانسيابية آسرة: "دع إحساسك يعود من جديد، مع كل قطرة مطر هاطل، غدقت التراب أريجًا لتعطر الكون." هنا، تتحول الطبيعة إلى رمز للتجدد، والمطر إلى الترياق الذي يغسل القلب من شوائب الحزن، في تشبيه بديع يضفي على النص لمسة أمل رقيقة.


وتبلغ الحكمة ذروتها حين تختتم الكاتبة نصها بتحذير عميق الدلالة: "فكل التفاتة هي بداية لماضٍ أليمٍ." وكأن العودة إلى الوراء ليست مجرد استعادة ذكريات، بل هي إعادة إحياء للألم الذي كان يجب أن يُدفن. بهذا الأسلوب العميق والآسر، تقدم عائشة ساكري نصًا يمزج بين البعد النفسي والوجداني، في لغة راقية تفيض بالشعرية والحكمة، لتبرهن من جديد أنها كاتبة تمتلك حسًا أدبيًا فريدًا وقدرة مذهلة على الغوص في أعماق المشاعر الإنسانية، فتجعل القارئ لا يقرأ كلماتها فقط، بل يحسّ بها كأنها نُسجت من وجدانه.


مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والتوثيق والقراءة النقدية التحليلية الثقافية العربية


 عبق_الذاكره✨️


حتى ولو تناسيْنا ومضيْنا بعيداً....

بمجرد إلتفاتة..نرى ماضينا

يدق ذاكرتنا الملتهبة... 

ويفتح أروقةُ بقايا الحزن 

الساكن منذ الأزل ويعتصر ببطءٍ 

ذاك الجزء المحطّم فينا 

 شيئاً فشيئاً ولا نستطيع 

الإنفلاتَ منه، لأننا سنجد أنفسنا  

محاصرين في ظلمةٍ رهيبةٍ 

والتي تكتسح جدران أنفاسها 

حتى لا تتنفس من جديد، 

وهكذا تتكرر المأساة مراراًَ 

وتكراراً دون جدوى 

وتسير بنا قوافلَ الألم 

إلى كل شبر حٌطّمت فيه.


لذا، أترك هذا النصف الذي

أتعبكَ وامضي بعيداً ولا تلتفت.

أمضي وكانك تجابه رصاصةَ 

الموت المحتم، واذكر شيئاً جميلاً

 وٌلعتَ بهِ علّه يكون في مكانٍ ما 

من النصفِ الآخر لفؤادكَ،

أو ربما كانَ يوماً كطيفٍ عابرٍ

تسلّل خلسةً إلى كيانكَ 

دونَ أن تشعرَ به.....


فانبش فيه علًّه الترياقٌ 

من كلِّ ألمٍ دفينٍ ساكن في الوريد 

دع إحساسكَ يعود من جديد 

مع كل قطرة مطرٍ هاطل 

غدقت الترابَ أريجاً لتعطر الكون 

دعه يسبح في أديمِ سمائكَ

وإياكَ أن تلتفتَ وتعود.

فكل التفاتةٍ هي، بداية لماضٍ أليمٍ.


 عائشة_ساكري_من_تونس🇹🇳

11 جوان 2022

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال