حقيبة القدر
هامش العطايا، في ليلة مقمرة، وصلت كل ما يلزمني في سفري هذا، فبعد مخاض شاق وعسير، جاءت الولادة، للتو أقيم لي حفل الحقيقة، وكم هي من هدايا باسمي المختار، احتلت و تزينت بها رفوف الخزانة، لقد كانت أمي جد مسرورة، ها قد حل وريث العرش ، الأمير الصغير، كما جاء في أثر السير، و بعادات باقي الأسر، على حد الزعم و القول و الوصف
بلمحة البصر كبرت، صرت أرتاد المسيد و بعدها المدرسة، كم هي طفولة كانت جد قصيرة، رغم اللهو و اللعب و المرح، و الفرح و البكاء ببهتان خفيف الظل، ويسير الوقع،دروس بالمسيد ، على يد ذاك الفقيه الورع، بلحيته البيضاء،لازلت اتذكر ،حصص قرآنية و تمهيد للحساب بالأعداد و الأرقام، زائد و طرح، وحروف الهجاء بلسان يتلعثم،كادت تنطق، وبالمساء كان ينتظرني داك السرير، على شكل بساط أرض مغطى ببطانية فقط، أتوسط باقي إخوتي، و الدفئ و الحنان يغمر، لم يكن يترك لنا فجوة و لا حتى فوهة
أما المدرسة، فبداية مرحلة طفل، أحس بالحيوية ،الإجتهاد ، قوي يركض، و اختلاق المشاغب بالفصل، و انتظار عقاب المعلم ، ذو الهيبة و الوقار، وتلك البدلة الانيقة، توحي لك في حضرة مراقب مكتب، فيكن العقاب، إما بالضرب على اليد أو الفلقة على الرجل، و أحيانا كتابة عدد محدد، برقم المئة أقل أو أكثر، لنص أو جدول الضرب، أو جملة في سياق ما سبق الخطأ بالفصل، هي حقا حقيقة دوما كان اجتهاد و مواظبة ، دون انقطاع بلا تدمر أو أسف أو ندم، ولا تردد فالنجاح بآخر السنة لكل فصل هو الهدف المنشود و المحدد
الحقيبة ما هي بالأصل، إلا توالي الأيام بهذا العمر، وتعاقب الليل والنهار، وكل الفصول الأربعة ، هي توالي صعاب الدهر، و المتاع ذاك العمل الشاق، والزاد المرافق، بأغلبها وفي الكثير من الأوقات و الأحيان، التضحية و الصبر، و التحمل ، فليس كل عيش رغد، مرة حلو ، ومرة مر، توالي التناقض و الأضداد بالأصل، فرح وحزن
أحيانا أكون عاجزا ، كلما نظرت إلى أقراني باختلاف مستوياتهم ، وهذا الحظ الذي ما فتئ يعاندني، ،دونما رضى أو اختيار، مرغم أحيانا و احيانا دون تردد، و بطاولة الحياة هاته التي سبقت الرشد و النضج، حتى مرحلة هذا الزواج المسبق، كانت ترافقني ذكريات لعبة الورق، لعبة الحلم، لعبة التمني، حين كنت أسأل ماذا تريد أن تكون حين تكبر؟ أحلام آماني و آمال، لا أنكر منها من تحقق ومنها من تبخر، فر و ولى و أدبر
على مسامعي كانت تردد،نصائح والداي، دوما انظر إلى المستقبل المشرق، ركز على ذاك الحلم، الخفيف الظل، كافح ثابر، أسقط و انهض ، قاوم ولا تستسلم ، اجتهد تأدب كن ذو خلق وشيم، هي قائمة يطول بها الدكر ، وحتى بتلك الملاحظة الهامشية، إياك أن تستكثر على قلبك العشق و الحب، فهو محيط ولا بد لك أن تقطعه، وتعبره بمراتبه الكثر، وحثما ستلدد، وحثما ستقهر و تحزن وتتأذى، وأنك كنت لا تعرف السباحة فيه و لا تتقن العون، فالقلب ياما تكسر و ياما هزم و ياما فرح
بينما و أنا أفتش في إحدى الليالي، وسط هاته الحقيبة، سأضع يدي و وعيي، على سر من أسرارها، كأنه طعم من طعمها المرير المر، الذي طالما به اصطدم الكثير من بني البشر، تأذوا وآخرين منهم من انكسر و انهزم، إنه الواقع، الواقع الذي بغالب الأحيان قد لا يرحم أحد، الذي يحطم الأحلام، و يقضي على الأماني، و يعلق الآمال فيشحد ويهند الرجاء، إنه الواقع والذي رغم الاجتهاد الأكبر ورغم عدم الإستسلام و المعاناة و الجلد و الصبر، يهزم
أقر و أعترف،بمحض إرادتي دون خجل و دون خوف، ولا دفاعا عن الفشل ، عزيزة علي نفسي، ولقد كانت محطة كبريائي وعزة نفسي أكبر انتصاراتي، و كانت الحظ الأوفر التي بها تخطتني فرص كانت هي بمثابة ارتقاء و نجاح و فوز، لا تستغرب من كلامي هذا، دوما كنت لا أرضى هذا النجاح بدرب الخنوع و الذل، أو لعق أحذية مرؤوسي، و أحتى ذاك الشخص العادي، كي أفوز و انجح بهذة الطريقة، وعلى نهج هذا الدرب المقرف، لا فوز بصداقة زيف، ولا قرابة أكون فيها الهامش و الأضعف والوقت الفراغ ،حتى يتسلى به الغير، ولا حتى نيل وساطة كي أرتقي و أكبر، لنيل شيئ به أذكر
لم يكن المجهول المنتظر، لقد كانت قناعتي وقراري و اختياري، الرضا عن نفسي قبل الغير، إنها بكل اختصار عزة النفس، فلا أأسف و لا أندم على ما مر أو سيمر
من يدري؟ هل هناك باق أياما معدودات في بهذا العمر؟ و الحقيبة تكاد تفرغ من محتوياتها، فسريعا قد غزى الشيب هذا الرأس، طرد سواد الشعر، بتوالي الدروس و العبر، لم تكن أبدا مجانية، لقد كان هناك دوما دفع و كان ثمن
سأظل أبتسم دوما لحظي العاثر، و لا ألومه، و لا أتدمر، إنه القضاء والقدر و الإيمان المطلق ، بأني انا من حملت حقيبتي، وكان القدر رفيقي بهذا الدرب، و لي يقين انه بالأخير يكون الموت حتف، نصيحة أخيرة لا تلقي بنفسك إلى التهلكة كما جيئ في الأثر، وتقول إنه ضمن حقيبة القدر،
من منا ؟ لم يحمل حقيبته هاته حقيبة القدر
بقلمي أبو سلمى (مصطفى حدادي