لغة لايسمعها الا قلب الأم
هناك خيطٌ لا يُرى، ينساب من روح الأم إلى أرواح أبنائها، كأن الله شكّله من نورٍ خالص، وجعله يمتدّ فوق الزمن والمسافات. لا ينقطع. لا يبهت. لا يشيخ.
الأم لا تحب فقط… الأم تشعر.
تشعر قبل أن تُقال الكلمات، وقبل أن تحدث الأشياء.
تقرأ ارتجاف الروح كما لو كانت كتابًا مفتوحًا.
تعرف حزن ابنها من نبرة "ألو"، وتلتقط خوف ابنتها من صمتٍ قصير، وتشعر بوجعهم وهو ما يزال فكرة تتكوّن.
إنها معرفة لا يتعلّمها أحد، ولا يُفسّرها علم.
إنها ذلك الحضور الخفي الذي يجعل قلبها يلتفت فجأة…
كأن جانبًا من روحها ناداها من بعيد.
حتى في الغياب، تبقى الأم حاضرة.
تُرسل طمأنينتها في الهواء، وتنسج لهم سلامًا لا يعرفون مصدره.
يظنون أنه هدوءٌ عابر… ولا يعلمون أنه دعاؤها الذي سبقهم، وأنفاسها التي تسبق خطواتهم، وقلقها الجميل الذي يحرسهم من خلف الستار.
الأبناء يكبرون…
تتغير ملامحهم، وطرقهم، وأصواتهم…
لكن في قلب الأم، يبقون كما خرجوا أول مرة من ضلوعها:
أحياءً في الذاكرة، مقيمين في نبضها، محفوظين في مكانٍ لا تدخله الأيام.
وما بين الحضور والغياب، هناك مساحة لا يفهمها إلا الأم:
مساحة تملك فيها القدرة على أن تمسك بيد أبنائها وهم بعيدون عنها،
وتُسند قلوبهم وإن لم تلتقِ بهم،
وتشعرهم أنها معهم وإن كانوا في قارات أخرى.
تلك هي الروحية التي لا تُشرح بالكلمات…
تلك هي الأم:
كائنٌ يجاور أبناءه حتى لو سكنوا في الأفق البعيد،
وروحٌ تتقدّمهم دائمًا…
كأنها الدعاء الذي يمشي قبلهم، ويظلّلهم بعد أن يناموا.
بقلمي الأديبة الشاعرة غزلان حمدي
