البحث عن مفتاح الجنة
بقلم: ماهر اللطيف 🇹🇳
جثم على ركبتيه باكياً، يقبّل قدمي والدته بحرقةٍ لم يعرفها من قبل. ارتجّ صوته بين نحيبٍ ونداءٍ متقطع:
– سامحيني يا أمي... أرجوكِ سامحيني.
نفرته وأبعدت وجهه عن قدمها، وقد امتلأت عيناها بالدموع. تنهدت من الأعماق حتى خُيّل للجدران أنها تتنفس معها.
غضبت السماء فهطلت، وعصفت الرياح، كأن الطبيعة تشاركها هذا الألم القديم المتجدد.
نظرت "الحاجة هيام" في أرجاء البهو العتيق، فوجدت وجوهًا واجمة: شيماء متيبّسة كالتمثال، عائدة تبكي نحو الحائط، سلوى المقعدة تنظر بصمتٍ موجع، وغفران تركع عند قدميها، تتوسّل:
– بحق الله يا أمي، ارحميه... لقد تبدّل، أقسم أنه تاب.
لكن هيام أغلقت قلبها كمن يغلق باباً على جرحٍ نازف:
– حليبي الذي رضعته من ثديي حرام عليك إلى يوم البعث أيها العاق!
– (مكرم، متذللًا) إن لم تغفري لي، فلن يغفر الله لي يا أمي...
– (مقاطعة بشدة) لا تنادني أمًّا بعد اليوم! اخرج من وجهي.
تقهقر خطوتين، ثم سقط أرضًا يجهش بالبكاء.
أما هيام، فاستدارت نحو غرفتها، أغلقت الباب بعنفٍ أعاد إلى الأذهان كل الأبواب التي أغلقها هو في وجوههم من قبل.
ساد البهو صمتٌ ثقيل، لا يُسمع فيه سوى حشرجات الندم.
جلست هيام على حصيرها المهترئ. رفعت رأسها إلى السقف المتشقق، وكأنها تستنطق الماضي:
رأت نفسها شابةً جميلةً في بيتٍ فخم، يملؤه ضوء الضحكات. زوجها أنور يحيطها بعطفه، وأطفالها الأربعة يملؤون المكان حياة.
ثم تتابعت الخيبات: مشاريع خاسرة، مرض الزوج، انحراف مكرم، الحادث الذي غيّر حياة سلوى، تبديد المال، وبيع البيت حجراً بعد حجر حتى صاروا في هذه الخربة.
تذكّرت ذلك اليوم الذي أخذ فيه ابنها آخر ما تبقى لها: محفظتها القديمة، وورقة صفراء تثبت ملكيتها لأرضٍ في قريتها. تمزّقت الورقة بين يديه كما تمزّق قلبها.
وضعت رأسها بين كفيها تبكي، حين دوّى طرقٌ على الباب وصوت شيماء يصيح:
– الشرطة... جاءوا ليقبضوا عليه!
انتفضت كمن لُدغ. خرجت إلى البهو تصرخ:
– أتركوه! لا تقتربوا منه... لقد سامحته، سامحته!
توقفت عند الباب، تلهث، وعيناها معلقتان بوجه ابنها المذعور. للحظةٍ رأته كما كان طفلًا صغيرًا يلهو عند قدميها.
انهارت تبكي، تهمس بدعاءٍ غارقٍ بالدموع:
– اللهم أصلحه واهدِه، واغفر لنا جميعًا.
ومنذ ذلك اليوم، تغيّر كل شيء. كان ذلك الموقف المنعرج الذي أعاد للعائلة روحها، وللأم قلبها، وللخاطئ طريقه إلى الله.